حينما أتوقف عن الكتابة ../ عماري جمال الدين 04.10.11 20:53
حينما أتوقف عن الكتابة..
ليس بإرادتي ولا برغبة مني، كما أنني لست براض عن هذه الحال من القحط والجدب - التي قد تطول أحيانا وقد تقصر- ودليل ذلك أنني أحس بالضيق والأسى ، وبذنب التقصير في التعاطي مع الكلمة يطاردني ويلاحقني في كل آن وفي أي مكان. وما عسى المرء أن يفعل لما تنزل بساحته البلايا، وتكثر عليه الضغوط،، ويعصره الابتلاء. إلا أن يأوي إلى ركن شديد، ورب رحيم كريم ودود، ليستمد منه العون والمدد، والحول والقوة، لأنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. سبحانك لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين. اللهم لا أسألك رد القضاء، ولكن أسألك اللطف فيه. فتنزل الرحمات والبركات، ونلهم السداد والرشاد والتوفيق بإذن الله. والإنسان ضعيف بنفسه قوي بربه وبإيمانه، إنسان بنفسه ووجدانه وتفكيره قبل أن يكون ذلك ببدنه وجسمه. وهو في حاجة ماسة إلى هذه الأوبة ليعيد توازنه وانسجامه، فيتحرك وينشط ويستأنف هواية رسم الحروف وصناعة الكلمات. ويعود إلى هوايته كما يعود العصفور إلى عشه، فيتنفس الصعداء ويستنشق عطر الوجود، فيرتدي حلة جديدة وثوب بهي جميل يسر الناظرين، وهكذا تستمر الحياة...
صحيح الكتابة ليست بالأمر الهين اليسير ، فهي مخاض مؤلم وولادة عسيرة، إلا أنها في الوقت ذاته متعة معنوية راقية تفوق كل المتع الحسية. وسياحة روحية فكرية في عالم الأدب والفن والثقافة. إن العمل الإبداعي متعة وفائدة وتطوير، وإضافة لخبرات متراكمة سابقة. وقد أصاب ابن حزم لما قال:"لذة العاقل بتمييزه، ولذة العالم بعلمه، ولذة الحكيم بحكمته، ولذة المجتهد لله عز وجل باجتهاده أعظم من لذة الآكل بأكله، والشارب بشربه ...إلخ " وللعلم فإن ابن حزم الأندلسي فقيه ومحدث، وفي الوقت ذاته أديب وشاعر مرهف الحس، له قصائد سارت بها الركبان. ولن يقترب المبدع من قمة العطاء إلا إذا أمتع قارئيه ومحبيه بالتأثير فيهم وإفادتهم وتنويرهم، ولن يتأتى له ذلك إلا إذا كان إنتاجه نابعا من رحم المعاناة اليومية كإنسان، ولن يصل إلى ذلك إلا إذا ذاق هو أولا واستمتع، واحترق بنار التجربة فتعلم. والتوقف عن الكتابة توقف عن العطاء، وعن التفاعل مع سيرورة الحياة وأحداثها ومستجداتها، ومن ألف القراءة والمطالعة إلى حد الإدمان وفجأة ولظرف ما يصاب بحبسة وينقطع، لا ريب أنه يحزن ويتحسر كثيرا، ومما يزيده ألما وحسرة أن يرى رفاق الدرب تعج بهم ساحات الإبداع، وهو متوقف لا يكاد يخطو خطوة إلى الأمام. إن القطيعة مع العطاء موات ما بعده موات، لا يعرف ألم الشقاء إلا من يكابده. قال الأستاذ عبد الله حمادي رئيس اتحاد الكتاب الجزائريين سابقا في رده عن سؤال أخير في حوار له مع أحد الصحفيين : وماذا تقرأ الآن؟ فأجاب: " قد لا تصدق لو قلت لك أنني أكون أتعس الناس إذا كنت بعيدا عن القراءة، بل الأكثر من ذلك أنني وأنا بعيد عن القراءة، أشعر أنني أدخل عالم اللاشيء، فالقراءة بالنسبة لي هي المنفى والملكوت، وهي المسكن والمهرب في آن واحد."
إن الحنين والاشتياق والأوبة إلى دفء وحضن العمل الفني، أشبه ما يكون بعودة الروح إلى الجسم، وعودة العافية إلى البدن كله، فلا معنى لوجودنا بدون أثر، فالإنجاز شيء جميل وعمل مشروع كلما أوغلنا فيه، تغمرنا سعادة ونشوة وفرح وحبور لا يوصف. فحيا على الاجتهاد، حيا على الإبداع.
* عماري جمال الدين / سدراتة / سوق اهراس 01/10/2011