دواء قلبك في ...أن تشخص المرض بدقة
بسم الله الرحمان الرحيم
دواء قلبك في ...أن تشخص المرض بدقة
عماري جما ل الدين- سدرا ته
أسئلة كثيرة ترد على أذهاننا في واقع الحياة، وتطرح نفسها بإلحاح وبقوة كي نجيب عليها، وذلك لأهميتها.ولكن كعادتنا، كل أمر جد يحتاج منا إلى بذل جهد وتفعيل وتركيز، لا نوليه عناية واهتمام، بالرغم من اقتناعنا بأحقيته ومصداقيته وجدواه، ونميل إلى كل مألوف سهل يعفينا من كل عمل ننجزه. والنفس البشرية إن لم يأخذها صاحبها بعزيمة وإرادة وقوة، كثيرة الركون إلى الدعة والكسل والخمول، والاستزادة في طلب المباحات ، وما لذ وطاب. قال تعالى: \"إن النفس لأمارة بالسوء...\" فصلاح القلب بمحاسبة النفس، وفساده بإهمالها والاسترسال معها. فأيما تساهل وتهاون وغفلة أو نسيان أو لامبالاة، يجر على صاحبه الويلات. فيقع الإنسان في المحظور من حبث لا يدري، ويبتعد عن السكة شيئا فشيئا. فالحذر الحذر من هوى النفس، والسعي دوما في مجاهدتها ومغالبتها ومخالفتها، بل وإلزامها بضرورة الثبات على السير على النهج القويم والصراط المستقيم \"واعبد ربك حتى يأتيك اليقين \" والبدار البدار إلى تنظيف القلب وتنقيته ليكون القدوم على طهارة.
ومن جملة هذه الأسئلة، قول أحدنا: لماذا لا نخشع في الصلاة ؟ لماذا لا نتأثر بتلاوة القرآن الكريم مثلما كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين ؟ لماذا نتذكر عند سماع الموعظة ثم سرعان ما ننسى ونغفل ونترك الاستزادة من الطاعات والعبادات التي فيها صلاحنا وفلاحنا ؟ حتى المقبرة سبحان الله عنوان الآخرة، ومؤشر الرحيل من عالم الفانية، الواعظ الصامت، كما أخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، كأني به لم يعد يفعل فعلته في النفوس فترتدع، وفي القلوب والأفئدة فتخشع. لماذا نقصر في واجب الدعوة إلى الله فلا نتحرك كثيرا في هذا الاتجاه فنكون عونا لأهل الدعوة إلى الله عز وجل لنشر الفضيلة والهدى والخير والصلاح؟ لماذا تمر علينا كثير من الأحداث، أو نمر عليها فلا نتعظ ولا نكترث ؟ قال تعالى: \"وكم من آية يمرون عليها وهم عنها معرضون...\"هذه بعض أسئلة وأخرى كثيرة... بإمكان كل واحد منا أن يستحضرها ويطرحها على نفسه، آملا في أن يجد لها الجواب الكافي والدواء الشافي .
إن الإجابة عن هذه التساؤلات كلها يكمن في معرفة مرض خطير وداء عضال قد استشرى في الأمة وانتشر وعم بلاؤه وطم. ولاحول ولا قوة إلا بالله. قال تعالى:\" اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون، ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث، إلا استمعوه وهم يلعبون، لاهية قلوبهم...\" الآيات الثلاثة الأولى من سورة الأنبياء . نعم إنه مرض الغفلة والنسيان الذي أصاب القلوب فكان من نتائجه ما ذكرنا. فلو ابتلي الإنسان بمرض عضوي لشد الرحال صوب كل فج عميق بحثا عن الدواء، فكيف الحال إذا أصيب الانسان بهذا المرض في أهم عضو في جسده ألا وهو القلب ؟ وكيف يكون الحال لو أصيب الإنسان به في أهم شيء في حياته، ألا وهو الدين والإيمان ؟ وكما يقول علماء السلوك:\" لذة القلب وألمه، أعظم من لذة الجسد وألمه\" نعم تهجم جيوش الغفلة على القلب بسبب حب الدنيا وكراهية الموت، ونسيان الآخرة، واتباع الهوى، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، والأنانية والمصلحة الشخصية والتمركز حول الذات، فيستجيب لنداء المادة، وتيار الشهوات والملذات والمغريات، وتضعف فيه الاستجابة لمنادي الإيمان، فيثاقل إلى الأرض، ويخلد إلى الطين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. فينتج عن ذلك حتما تقصير في الطاعات، فلا يحافظ على الصلوات في وقتها، ويترك صلاة الفجر، ولا يرتاد المساجد إلا نادرا أو في الجمعات، فلا تراه ماسكا للكتاب، ولا يعرف الصوم إلا في رمضان، ويقل نشاطه وحضوره، وتنعدم مبادراته وإسهاماته، ويختفي شيئا فشيئا، ماذا جرى؟ ماذا حدث؟ سبحان مغير الأحوال، ونعوذ بالله من حال أهل النار وإنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم يامقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك ،اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك.
إننا إذ نطرق مثل هذه الموضوعات لنؤكد أولوية الروحي والتربوي وأهميته في بناء شخصية الفرد المسلم، وهي حالة تستدعي التأمل والدراسة بعمق وموضوعية لمعرفة العوائف والإشكالات، تفاديا لأي انحراف عن الجادة.فالجانب الروحي أساس في الناء حيث يمثل القاعدة الصلبة والعمود الفقري، طبعا إضافة إلى الجانب الفكري والثقافي والبدني...الخ). يؤكد هذه الحقيقة الدكتور عبد الكريم بكار في إحدى رسائله المشهورة تحت عنوان:\" الشارع الرئيس\" قوله:\" أولوية البناء العقلي والروحي والخلقي على البناء العمراني، أي أن تثقيف العقول وتزكية النفوس وترسيخ المبادئ والأخلاق الفاضلة أهم من بناء الجسور وإقامة الحدائق وشق الطرق السريعة... وهذا يعود إلى أن التقدم الحقيقي في الرؤية الحضارية لدينا هو تقدم روحي خلقي بامتياز، وهو التقدم الذي كان يشكل الهاجس الأكبر لجميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. والآيات القرآنية والأحاديث النبوية تؤكد على هذا الملمح بطريقة لا تقبل الجدل، إذ أن أكثر من 99/ من الآيات القرآنية يتحدث عن التقدم العقلي والروحي والسلوكي لبني الإنسان. وكل المكتسبات الحضارية وكل الإنجازات العمرانية، وكل المكتشفات على كل الأصعدة لا تشكل في رؤيتنا الحضارية أكثر من وسائل مطلوب منا استخدامها للوصول إلى الهدف الأسمى في هذه الحياة الفانية، وهو القيام بأمر الله تعالى على أفضل وجه ممكن، والفوز برضوانه، وهذا الملمح في غاية الأهمية، لأن ضياع الهدف الأكبر يعني أن يصبح كثير من أشكال العناء الإنساني، وكثير من إنجازات البشر، أشياء من غير أي معنى، وهذا يعادل فقد الوجود ذاته.\" انتهى كلام الدكتور.
وللحديث بقية مع عماري جمال الدين، وسلسلة \"دواء قلبك في .....\"