بوراس بوعلام مشرف
عدد المساهمات : 203 السٌّمعَة : 40 تاريخ التسجيل : 25/11/2008 العمر : 47
| موضوع: صناعة الذات " عماري جمال الدين 2012-04-20, 1:28 pm | |
| صناعة الذات " عماري جمال الدين
صناعــة الذات (بين ماهو كائن، وما يجب أن يكون) المقدمـــة: بسـم الله الرحمـن الرحيـم الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبد الله، وعلى الآل والأصحاب الطاهرين الطيبين والتابعين وتابعي التابعين، ومن سار سيرهم واهتدى بهديهم إلى يوم الدين. بادئ ذي بدء أتقدم بالشكر الجزيل لأخي وأستاذي الفاضل الشيخ حميدان افريخ –إمام ممتاز بالمسجد العتيق سدراته – حائز على شهادة ليسانس فالماجستار وهو في إطار التّحضير للدكتوراه في العلوم الشرعية جامعة الأمير عبد القادر قسنطينة. فبالتوفيق إن شاء الله تعالى.وبعـد : لقد أردت من وراء هذه الجولة والسياحة في أرجاء وأقطار النفس البشرية أن أُنوّه بالمكانة المميزة للإنسان في هذا الوجود، وما للإيمان العميق والفهم الصحيح من تأثير فعّال في تحريره وترشيده وتقويته، وتوجيه حركته وسعيه نحو تحقيق الأهداف السّامية والمقاصد النبيلة، لتكون لحياته معنى ودلالة. لأنّه إمّا أن يكون الإنسان صاحب رسالة فيحي بها، ويعيش لها، فيَسعد ويُسعد من حوله، وإمّا ألاّ يكون. فانظرْ لنفسك أيّ المقامين تختار؟ فالحياة نعمة كبرى ورحلة لطيفة، وفرصة العمر مرّة واحدة لا تتكرر، والزّمن ينفلت من بين أيدينا دون أن نشعر، والأمانة تطلبنا صباح مساء وفي كلّ لحظة أن نُحسن حمْلها، والأعباء والتبعات شاقّّة وكثيرة، والضّعف البشري يلازمنا ويلاحقنا في كلّ أطوار حياتنا، فماذا نحن فاعلون يا ترى؟ فليس لنا والله إلاّ أن نأْوي إلى ركن شديد ونفرّ إليه فهو الملاذ الأوحد، وأن نقتفي أثر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلّم شبرا بشبر وذراعا بذراع، وأن ننهج نهجه ونطبّق تعاليمه فهو قدوتنا وإسوتنا تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك. وهاهو صلى الله عليه وسلم ينصحنا بقوله: "الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله. " حديث حسن رواه شداد بن أوس في سنن الترمـذي. واللهَ نسأل أن يوفّقنـا وأن يُسـدّد خطـانــا وأن يأخـذ بأيدينا إلى شاطئ النّجــاة، وأن يعيننـا علـى حمـل الأمـانـة وأداء الرسـالـة، إنّـه ولـيّ ذلك والقــادر عليه ولا حـول ولا قـوة إلا بالله العلــي العظيـــم.
البـاب الأول: كيف أنجح في الحيــاة؟ 01 طــرح الإشكاليـة، أيـن الخلل؟ إنّ ما تعانيه مجتمعاتنا اليوم من تخلّف وضعف ووهن وتآكل داخـلي لا يخرج على أن يكـون إفرازا للمشكلة الثقافية، وخللا في البنية الفكرية التي يعيشها العقل المسلم، ونتيجة للأزمة الأخلاقية التي يعاني منها سلوك الفرد المسلـم.(1) ضفْ إلى ذلك تفشّي الأميّـة وانتشار البطالـة، وغياب الحرية والعدل، وكذلك الخطاب الديني الموغل في التقليد، وهكذا فلا التنشئة الأسرية ولا المحاضن والفضاءات التربوية والنوادي الثقافية، ولا المنابر المسجدية والإعلامية استطاعت أن تصنع لنا الإنسان الذي نريد.
(1) ص 09 أدب الاختلاف في الإسلام- د.طه جابر فياض العلواني "حتى النّخب في الوطن العربي- ناهيك عن المواطن العـادي- لا تملك التكويـن الثقافـي والمعرفي والفلسفي، الذي يمكّنها من تحمّل وجود الرّأي الآخر، كما أنها لم تتخلّ بعد عن التغذي من انتصارات الماضي بالقدر الذي جعلها عاجزة عن فهم إشكاليات الحاضر ورهانات المستقبل، وهي بذلك فشلت في إنتـاج خطاب متفتّح متسامح براغمـاتي، من أجل فكّ الاشتباك بين الإسلام كطرح للهويّة، وبين الدّيمقراطية كوسيلة وآلية لا تتعارض مع هذا الطرح، وبالتالي تُعتبر الثّقافة الفريضة الغائبة.(1) وعليه نؤكّد وللمرة الألف أن أزمتنا ثقافية فكرية خلقية، قبل أن تكون سياسية اقتصادية اجتماعية. ويبقى الأمل قائماً من أجل نهضة قوية تعيد للأمّة مكانتها الرّيادية بالشّكـل المناسب وفـي الوقت المناسب نهضة فـي العلوم والثّقافة والفنون في الاتّصالات وفي البناء والتشييد، يقوم بهـا رجال ونساء شيوخ وشباب من أبناء هذه الأمـّة. وإذا كانت جريدة حرّة أخطر من ألف مدفع كما قـال نابليون بونابرت، وأنّ الفقر الثقافي أخطر بكثير من فقر الدم، كما قال الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه، فإنّه ما من سبيل للخروج من هـذا النفق وتجاوز هـذه العقبة الكؤود إلا بمعالجة جذور الأزمة الفكريـة الثّقافيـة، بتصويب الفهم لأن معظم الانحرافـات والتشوّهـات التي نلحظهـا والممارسات المخطئـة، مردّها إلى فهم معوج ورّث عللا في النّفوس وأخطاء فادحة قاتلـة، وفتنا هوجاء أتت على الأخضر واليابس حصدت الأرواح والممتلكات وخلّفت تداعيات ورواسب سلبية كثيرة، لـــذا لا بـــدّ مــن تقييـم دقيق وإعادة ترتيب قناعات جديدة،
(2) مقال بجريدة الخبر- للمفكر التونسي صلاح الجورشي. وترتيب أولويات لتصحيح المسار، بإيلاء البعد الإيماني والفهم الصّحيح والتثقيف أهميّة كبرى، بنشر فكر الاعتدال والوسطية حتى لا تضيع الأمّة بين التشديد والتفريـط، وإعادة صياغة السلوك الخلقي كضمانة ضروريـة وحتمية لازمة، وإلاّ كيف يستقيم الظلّ والعود أعوج؟ وقفـــات إنّنا قلّما ننظر إلى الداخل لأنّ الانبهار بالآخر (الغرب)، والانشغال بعيوب الغير والتشهير بها لم يدعْ لنا فرصة التأمل في بنائنا الداخلي. وقد ثبت في الأثر: "من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه"، "طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الآخرين"، "امسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ علىخطيئتك". فما أحوج الواحد منّا، أن يتوب إلى ربّه، ويؤوب إلى رشده، ويعود إلى نفسه. قال الشّيخ الغزالي: "فالإنسان أحوج الخلائق إلى التنقيب في أرجاء نفسه، وتعهد حياته الخاصة والعامّة، بما يصونها من العلل والتفكّك"(1) أقرب الناس إليك نفسك التي بين جنبيك، وأشدّهـم حاجة إلى التغيير أنت. ولذلك قيل:إذا أردت أن تغيّر العالم فابدأ بنفسك. وكل صادق في دعـواه يسعى لتغيير مـابنفسه أوّلا، وهي أكبر وأطول وقفة، تليها وقفات أخرى مع كلّ من لهم حقّ عليّ. مع الأسرة، ثم مع القرية أو المدينة التي أقطن بها، ثم مع الوطن، ثم الأمّة عامّة فالإنسانية قاطبة، كلّ على قـدر طاقته وقدراته وإمكاناته ومجال تخصّصه، لا يكلّف الله نفسا إلاّ وسعها.فالله أنعم علينا بفضله وكلّفنا بقدر طاقتنا. وإذا كانت نعمة الحياة مرة واحدة لا تتكرر وفرصة العمر أيضا كذلك، وإذا كان الزمن ينفلت منّا انفلاتا دون أن نشعر، وفي الوقت ذاته نحن عن الأمر العظيم الذي أُنزل إلينا غافلون أو قُل مقصّرون.
(1) ص 17 جدد حياتك- محمد الغزالي قال تعالى:"وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، سبحانه وتعالى عمّا يشركون."(67-الزمر) فإنه حريّ بنا أن تكون لنا محطات من حين لآخر للتّزوّّد والتّّأمل والتّّفكر واستعمال النظر في أحوالنا وفي مواقفنا وتصرفاتنا وأعمالنا، في علاقاتنـا وتواصلنا، في درجة تأثُّرنا وتأثيرنا فيمن يحيط بنا. فيما قدّمنـا وفيما لم نقـدّم، وفيما ينبغي أن نقدّم. إنه يتوجّب علينا تقييـم ومراجعة جهودنا ومساعينا ومبادراتنا، وترشيـدها نحو الأصوب. فنحن بشر نخطئ ونصيب. اذن حياتك هذا القصر الضخم الذي أنت منهمك في تشييده هو شخصيتك وهويتك وقصة حياتك بأكملهـا. أسئلـة فـي الصّميـم إذن نقطة الانطلاق وأولوية الأولويات: أن تعرف نفسك من أنت؟ وماذا تريد؟ وكيف الوصول إلى ماتريد؟ ما العلّة من وجودك؟ هل أنت على الطّريق؟ مادورك؟ مارسالتك؟ هل لك رؤية واضحة؟ هل تعمل بخطّة؟ ماذا أنجزت؟ ماذا تمتلك من مهارات وكفاءات؟ هل تبذل جهدا في هـذا الاتجاه؟ كن صريحا وأجب بوضوح مـاذا قدّمت لنفسك؟ (أقصد تطويرها وتنميتهـا) ماذا قدّمت لأسرتك؟ لوطنك؟ لأمّتك؟ للبشرية جمعـاء؟ أليس لك فضل على الاطلاق؟ لم تنجز شيء؟ إذن لا أثر لك ولا بصمات. سيدي الكريم هل تنوي مراجعة أمورك؟ هل تشعر بألم ما؟ أترغب في أن تنطلق؟ على كل حال الفرصة أمامك. لم يبقَ لي إلا أن أُذكّرك بما قاله مصطفى صادق الرافعي رحمة الله عليه: "إذا لم تضف شيئا إلى الدّنيا، كنت أنت زائدا عليها". وكما قال الرئيس الأمريكي الأسبق -كندي-: "لا تقل لوطنك ماذا قدّمتَ لي؟ بل قل ماذا قدمتُ أنا لوطني؟ إذن هذه بعض أسئلة دارتْ في خلدي وبإمكانك أن تطرح أسئلة أخرى مشابهة وما أكثرها! إنّها ليست أسئلة استفزازية بل أسئلة فـي الصّميم أطرحها علـى نفسي أولا وعليك ثانيا، والقصد من وراء ذلك لفت الانتباه إلى ضرورة التأمل وإثارة ملكة التفكير وتحريكها وتشغيلها. مهمّــة نبيلـــة فعمر الإنسان قصير جدّا ومهمّ جدّا وجميل جدّا، والحياة رحلـة لطيفة جميلة بحلوها ومرّها، وقد استخلفنا الله فيها لنعمّر الأرض، ونسخّر كل ما في الكون والطبيعة، ونبني الحضارة وننشر رسالة الإصلاح والخير، ونمدّ جسورا للتّعاون والتّعارف مع الآخر. قال تعالى: "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم".(13-الحجرات) ينبغي أن نكسب ثقافة الأمل وصناعة الحياة، واستغراق جلّ أوقاتنا فيما يعود علينا وعلى البلاد والعباد بالخير والبركات. تعميق الوعـي المتسائـل باستعمال المخيّلة والفكـر وطرح الأسئلـة، فالإنسان من حقّـه أن يسأل وأن يتساءل لأنّ القلق المعرفي المسكون بالسؤال مشروع وإيجابي، فهو المحرّك الحيوي للثقافـة التي تعيد قراءة ذاتها، وتخلق السّؤال من رحم الجواب. فالمفكّـر المتأمّل الباحث، يحمل همّ السؤال قبل همّ الجواب. إنّ العقل العربي مطالب اليوم بتقديم أجوبة جديـدة لما يطرحه عليه الرّاهن من أسئلـة. لابدّ من إحيـاء فريضـة التفكير في حياتنا ولابـدّ من اعتماد النّقد واستعمال النّظـر كفعالية ديناميكيـة لاستئناف التساؤل، لأنّ التساؤل يستبطن بالضرورة الرّغبة في التغيير. ولايمكن أن يتملّكنا الخوفُ على ثقافتنا وهي تمارس النّقد على ذاتها، لأنّها في جوهرها تمتلك من المتانـة والقدرة ما يؤهلها على الصّمود واستيعاب الجديد. ولعلّ من الأسئلة الجديرة بالطرح في عالمنا اليوم على المستوى الفردي، لماذا لم أرتقِ إلى المستوى المطلوب؟ وعلى المستوى الجماعـي؟ لماذا تأخّر المسلمـون وتقدّم غيرهم؟ وليس من باب جلد الذات أطرح مثل هذه الأسئلة ولكن رغبة في التّّغيير والتّطوير. ســرّ تقدّمهــم فالإنسان الغربي لا يختلف على بقيّة البشر من الناحية البيولوجيـة، غير أنه فتح عقله على عيوبه فراح يتخلّص منها، وفتح عقله على إمكاناته وراح يستثمرها بالقدر الذي يستطيع، وأدرك اليابانيون وكثير من الآسياويين نفس ما أدركه الإنسان الغربي فصنعوا ما نعرف جميعا.إنّ قدرات أيّ أمّـة تكمن فيما تمتلكه من طاقات بشرية مؤهّلة ومدرّبة، وقـادرة على التكيّف والتّعامل مع أي جديد بكفاءة وفعالية. وما تجربة دول جنوب شرق آسيا منّا ببعيد، فسـرّ نهضتهم ونموّهم وتقدّمهم يكمن أوّلا وقبل كل شيء في عقول أبنائهم وسواعدهم الفتيّة. وللّحاق بالرّكب لابدّ من إعطاء أهميّـة وشأن للعلم والمعرفة، وفهم قوانين الحياة ومعرفـة سنن التغييـر في الأنفس والآفاق. وإذا كان التّحدّي المطـروح اليوم كيف نؤسّس لتنمية شاملـة التي هدفها الإنسان؟ فإنّ التحدّي الأكبر كيف نصنع الإنسـان؟ لأنّ البشر هم الثروة الحقيقية لأيّ أمّـة. في حين أصبح مفهوم التنمية مرتبطـا بجودة حياة البشر، والاستثمـار في الإنسـان. فماذا فعلنا نحن في هذا الاتجـاه كأفراد وأُسَـر وجماعات، كمجتمعات ودول وكأمة؟ ماذا دهى أنظمتنا التربوية والاجتماعية؟ أين الجهد الذي تبذله النّخب المثقّفـة؟ وامتثالا للمقولة الإيجابية: "عوض أن تلعن الظلام أوقد شمعـة"، وفي هذا الإطار أقدّم هذا الجهد المتواضع عسى أن يكون لبِنة ومساهمـة جادّة، رغبة في استنهاض الهمم وبعث الأمل والإقناع بضرورة الاهتمام ببناء وصناعة الإنسان. موروثنـا الثّقافــي زاخـر وافـر وغنـيّ كم هو جميل أن نغوص في أعماق موروثنا الثقافي والحضاري الزّاخر بالأمجاد والغنيّ بالمآثـر والبطولات، لنستخرج منه اللآلئ والجواهر والدّرر. وكم هو رائع أن نقتفي أثر سلفنا الصالح إذ لا يصلح آخر هذه الأمـّة إلاّ بما صلح به أوّلهـا، وأن نقوم بما يجب القيام به وأكثر. أمّا الجمـود والتحجّر والوقوف على الأطلال، والتغنّي بالأمجـاد والافتخار بها والاستغراق فـي الماضوية، فلسنا معنيين به بالقدر الذي نحن معنيون بصناعة أمجاد جديدة وصفحات مشرقـة أخرى ترتقي إلى ما يتطلّبـه ديننا الحنيف من رفعة وسموّ من جهـة، وما تتطلّبه تحدّيات العصر على مختلف الأصعدة من جهة أخرى. إنّنا لا نريد أن نبقى أسيري تمجيد وتقديس لحظة الماضي وكأنّ مجدنا الرّمزي فعلا منجزا منتهيا، وامتلاك الحقيقة حكرا على الأوّلين دون الآخرين، فالزمن لم يتوقف والعجلة تدور والفرصة التاريخيـة مفتوحة للجميع، والتاريـخ أصلا هو علم دراسة الماضي لتفسير الحاضر واستشراف المستقبل، فمن لا ماضي له لا حاضر له ولا مستقبل نعم هذا صحيح، لكن نحن معنيون ومسؤولـون عن اللحظة التاريخيـة التي نحن بصددها الآن.
قال الشاعــر الحكيـم: إنّ الفتى من يقول ها أنا ذا ليس الفتى من يقـول كان أبي وإذا كان ظاهر التاريخ إخبارا فإن باطنه نظر وتحقيق، واستخلاص عبر ودروس. قال تعالى: "تلك أمّة قد خلت لها ما كسبت، ولكم ما كسبتم ولا تسألون عمّا كانوا يعملون" (141-البقرة) وفي سياق آخر قال تعالى: "لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب"(111-يوسف)، وهكذا فالمتنوّر الواعي يتعلّم من ماضيـه ويعيش ويحيا حاضره، ويخطّط لمستقبله. خـذ للحيــاة سلاحهــا وبالتالي لابدّ أن تكون عندنا رغبة مُلحّة في النّجاح في الحياة، وأن نذهب إلى الأشياء، وأن نطرح أسئلة جديرة بالطرح، ونخرج إلى الواقع لنكاشفه ونلامسه ونضيف أشياء ونصنع أشياء جميلة، وأن نغير بلطف وبحب وحكمة دون عنف وتشنّج وانفعال، وإلحاق الأذى بالنّفس أو بالآخر. ينبغي أن تكون أصواتنا قويّـة، وأن نكون قادرين على تقديم خيارات صحيحـة وأفكـار ورؤى صائبة، ومبادرات ومشاريع عملية تُجسّد كإنجازات على الميدان. وقد ثبت في الأثر"المؤمن القويّ خير وأحبّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلّ خير." قال الشاعر: كـنْ قويّا إذا ما وددتَ حياة فالحياة، الحياة..للأقويــاء تجربــة حيـــاة فلنبادرْ ولنقلعْ عن الانتظـار والتسويف، وأن نهجر منطق الافتـراض ونظرية التآمر وتعليق أخطائنا وفشلنا على مشاجب الآخرين. قال الشاعر الحكيم: يعيب النـاس كلهـم الزمانـا ومـا لزماننا عيب سوانـا نعيب زمـاننا والعيب فينــا ولو نطق الزمان إذن هجانا أيْ بنيّ إنّ التغيير الحقيقي يحدث من داخل النفس البشرية لا من خارجها، فالبداية مع نفسك التي بين جنبيك تعرّف إليها أوّلا، أنهها عن غيّها، جاهدها، روّضها على اتّباع الحق. قال تعالى: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربّهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا، ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطا"(28-الكهف) أعرف الحق تعرف أهله. احْتذِ بأمثلة من جرّب، واستمع إلى ما خلّده السّابقون الصّالحون من أقوال فإنّها خلاصة أعمارهم وزبدة تجاربهـم. وافتح قلبك وعقلك إلى كل من يؤثّر فيك إيجابيا مادام شرع الله ميزانك. واستفِدْ ممّن لهم بصر بالحيـاة وخبرة بالناس واطّلاع على دقائق المجتمع. واقتربْ من كلّ من له همّة عاليـة ومروءة وعلم وتقوى وحكمة وفهم أصيل واعتدال، ولا تضيّع قوله ولا فعله. اجتهدْ في أن يكون لك أثر، فلكل إنسان وجود وأثر ووجوده لا يغني عن أثره، لكن أثره يدلّ على قيمة وجوده.وكن كالرّجال إذا سُئِل عنهم قيـل: "من هنا مرّوا وهذه آثارهم". فكمْ من شخص مغمور لم يكن شيئا مذكورا، وبرغبته الشديدة في النّجـاح وبإرادته القويّة، وبتوفيق الله أوّلا وقبل كل شيء له، استطاع أن يصبح رقما صعبا متميّزا عن أقرانه وأهل زمانه. فاعملْ وثابرْ واجتهدْ وتحرّ الإخلاص في كلّ ذلك، وتواضع للخلق يحبّوك، واحلم على مخطئهم يجلّوك، وابتسم عند الهزيمة إذْ ليس العيب في أن تفشل أو تسقط إنّما العيب أن لا تنهض، والنّجاح قريب جدا من المداوم على المحاولـة. وغاية كلّ إنسان عاقل واعي مثقّف ذو همّة طموح أن يكون: "رقما صعبا" وأن يصل إلى درجة الامتياز البشري، فكَنْهُ أي كنْ نفسك، وارفعْ زيف التكلّف والتصنّع عنك وستجدْ بداخلك إنسانا جديرا بالاحترام. إسْعَ لامتلاك الأدوات المهنية والفكرية والثقافية، أمّا الأمور اأخرى فشكلية. وماهو ممكن لغيرك فهو ممكن لك. قال تعالى: "فإذا عزمت فتوكّل على الله".(159-آل عمران). قال شاعر الحكمة أبو الطيب المتنبي : ولم أَرَ في عيوب النـّاس عيباً كنقص القـادرين على التّمام أيْ بنيّ قوِّ صلتك بالله، واكثرْ من ذكره بكرة وأصيلا، وردّدْ كثيرا هذا الدّعـاء: "اللّهم أعنّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" ودعـاء: "اللّهم إنّي أسألك قلبا خاشعا، ولسانا ذاكرا، وبدنا على البلاء صابـرا".راقبْ مولاك في كل حركة وفي كل سكنة، في كل نيّة وفي كل قول أو فعل. قال ابن القيم رحمه الله: "لكل همّة وقفة". أي إذا هممتَ بأمر فانظرْ هل أنت قادر عليه أم لا؟ وهل هو خير أم شرّ؟ ثم هل هو لوجه الله، أم لغير وجه الله؟ وهل هو أمر تقوم به لوحدك، أم تحتاج فيـه إلى من يعينك؟ وليكن هذا ديْدَنُك في كل أمر تُقـدم عليه حتى تلقـى الله وأنت على ذلك، وإذا فعلتَ فابشرْ والزمْ. ولئن تخرج روحك من جسدك، خير لك من أن تقطع صلتك مع مولاك. وقـد ثبت في الحديث الشريف أن:" مثل الذي يذكر ربّه والذي لا يذكر ربّه كمثل الحيّ والميّت". هذه صورة عن نفسي وفيْض مشاعري، وحصاد ثقافتي، وثمرة تجاربي، وقد خبِرْتُ الحيـاة ككلّ إنسان حلوها ومرّها، وعرفتُ النّاس خيارهم وأشرارهم، قال الشاعـر الحكيـم: النّاس أخلاقهـم شتّى وإن جُبِلوا على تشابه أرواح وأجســـاد ليكنْ شعارك دائما عند معاشرة الخلق قوله تعالى: " ادفع بالتي هي أحسن"(96-المؤمنون)، وقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلّم: "وخالق الناس بخلق حسن" -رواه البخاري- وقال حسن صحيح. وارضَ بما قسّم الله لك تكن أغنى النّاس.
قال الشاعـر محمد مصطفى حمام(1): علّمتنـي الحيـاة أن أتلقّــى كل ألوانها رضا وقبـولا أنا راضٍ بكـلّ صنـف من النا س لئيمـا ألفيتـه أو نبيـلا لست أخشــى مـن اللّئيـم أذاه لا، ولن أسأل النبـيل فتيلا فسّـح الله في فـؤادي فـلا أر ضى من الحبّ والوداد بديلا فـي فـؤادي لكـلّ ضيف مكـان فكن الضّيف مؤنسا أو ثقيلا ضلّ من يحسب الرّضا عن هوان أو يراه على النّفاق دليـلا فالرّضا نعمة من الله لـم يسـ ـعد به في العباد إلاّ قليلا علّمتني الحياة أنّ لهـا طعمـ مين، مُرّا وسائغا معسولا فتعـوّدت حالتيهـا قريـرا وألِفْتُ التغييـر والتبديـلا أيّها النّاس كلّنـا شارب الكـأ سين إن علقما وإن سلسبيلا 02 صناعــة التفكيـــر كيف نجح الناجحون وفشل الفاشلون؟ "لماذا يوجد إنسان سعيد وآخر شقي حزيـن؟ ولماذا يوجد إنسان فرح مسرور وآخر بائس كئيب؟ ولماذا هناك إنسان خائف وقلق، وآخر مليء بالثقة والإيمـان؟ ولماذا يحقّق إنسان نجاحا باهـرا، وإنسان آخر يفشل فشلا ذريعا؟" (2) نجح النّاجحون لأنّهم عرفوا أنفسهم من هم، عرفوا وزنهم حجمهم حقيقتهم محلّهم من الإعـراب ومن الوجود. لأنّهم فقهوا طبيعة دورهم ومهمّتهم في الحياة، نجح النّاجحـون لأنّهم عرفوا للوقت قيمته فاستثمروه إلى أبعد الحدود، لأنّهم رتّبوا ونظّموا شؤونهم الخاصة والعامّة، فهجروا التسرّع والاندفاعية، وطلّقـوا الارتجاليــة وحاربوا
(1) ص 88 جدد حياتك-محمد الغزالي (1) ص 6 قوة عقلك الباطن- د.جوزيف ميرفي الفوضوية، نجح النّاجحون لأنّهم اقتنعوا وتبنّوا قِيَماً أصلية فحصّلوا العلم وأتقنـوا العمل واعتمدوا التّخطيط والتّقييم منهجا فأنتجوا وأنجزوا وأبدعـوا. نجح النّاجحون لأنّهم استمدّوا قوّتهم من خالقهم عزّ وجلّ، ومن استقامتهم وحسن أخلاقهم، نعم هكذا نجح النّاجحون. نعــم للإيجابيــة "هناك نوعان من الرّجـال: أحدهما به قوّة المغناطيس فهو يتمتّع بالإيمـان والثّقة واليقين، لأنّـه اكتشف كنز الثّروة الذي بداخله"(1). بعد أن تأمّل ذاته وفي الكائنات من حوله وفي عِظَم التّبعـات والمسؤوليات الملقـاة على عاتقه حينها استشعر القدرات الهائلة والطّاقات الرّهيبة التي زوّده بهـاالقـدر، وأنّه بإمكانه أن ينجز الكثير والكثير، وهويعلم أنّه ما وُلِد إلاّ لكي ينجح ويفـوز ويُحْـرِز الانتصار تلو الانتصار ويتحدّى، ويعيد الكرّة عند الفشل ويصبر ويستمرّ ويواصل ولا ينهزم. قال بهي الخولي رحمه الله في كتابه القيّم "تذكرة الدّعاة": "واعلم يا أخي أنّ كلّ إنسان كائنا ما كان ينطوي على مناجم إلهية من العبقريات العظيمـة، وإمداد من العزائم والهمم، وكنوز من الفضائل التي تنضّر وجه الحياة، وتزدان بها الإنسانيـة، ولا سبيل إلى إثارة هذه المناجم النّفيسـة، إلاّ أن تثيرها باسم الله العليّ الكبير، فاسم الله وحده هو مفتاح هذه الكنوز الربّانية المغلقـة، ولا يضع الله هذا المفتاح إلاّ في يد العبد الربّاني الذي يتخلّق بصفات الربّانية الفاضلة، يجاهد نفسه حقّ المجاهدة ويقمع هواه في غير هـوادة، فيفضي بذلك إلى ما شاء الله من بطولة وتوفيق"(2) فرحـم الله امرءً عرف قدر نفسه، وقدّر ربّـه، وقدٍّ المهمّـة التي خُلِق من أجلها، فسعى لها سعيهـا، فحمل الأمانـــة
(1) ص 6 قوة عقلك الباطن- د.جوزيف ميرفي (2) ص 80 من أعلام الحركة الإسلامية-المستشار عبد الله العقيل وأدِّى الرسالة، وجاهد في الله حقّ جهاده حتّى أتاه اليقين. لا للسّلبيــــة "وأمّا الشّخص الثّاني، فهو يغطّ في سبات عميق، لم يعلم شيئا عن منجم الذّهب الذي بداخلـه، لا يتوفرٍّ على قوّة المغناطيس الجاذبة.يملأه الخوف والشكوك والتردّد، وتُسنح الفُرص العديدة أمام عينيه فلا يستغلّها ويقول لنفسه: "لا أستطيع"..."ربّما أفشل." هذا النّوع من الرّجال لن يذهب بعيدا، ولن يحقّق إلاّ النّزر اليسير من الإنجازات في حياته"(1) فحاله كحال من قال فيه الشاعر الحكيم: كالعير في البيداء يقتلهـا الظّمأ والماء فوق ظهورها محمول فهو لم يكشف ذاته، ولم يعرف بعد السرّ من وجوده، تقديره لذاته ضعيف بسبب تفكيـره السلبي ونظرته الدّونية، فهو مقيّد مكبّل، أسير تصوّراته الوهمية إزاء نفسه وإزاء الحياة. قال تعالى: "الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدّنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا"(104-الكهف) قال.ج. ميرفي: ّإنّ كل شقاء وكلّ شرّ يأتي من فهم الإنسان المظلم، ومن جهله وتفسيره الضّال للحياة"(2) وقال الشيخ محمد الغزالي رحمة الله عليه، وهو أحد مؤسّسي مدرسة الوسطية والاعتدال في هـذا العصر: "إنهاّ لجريمة قتل أن ننتمي لهذا الدّين ثمّ لا نحسن فهمه، ثمّ لا نحسن عرضه، ثمّ لا نحسن الدّفاع عنـه" وبعبارة أوضح إنّ جلّ مشكلات النّاس ناتجة عن فهم ساذج وعن خلل في العقيـدة وبالأحرى ضعف في التّوحيد. فكلّ تصوّر خاطئ يورّث سلوكات خاطئـة.
(2) (3) ص 6 قوة عقلك الباطن د- جوزيف ميرفي لأنّ وراء كلّ سلوك قصد ونيّة، ولذلك قال الصّادق المصدوق صلى الله عليه وسلّّم في الحديث: "إنّما الأعمال بالنّيات، ولكلّ امرئ ما نوى...". والتصوّر الصّحيح يورّث سلوكات صحيحـة. ودعني أقول: أنّه ما من محنة أو بلية تنزل بساحتنا إلاّ بسبب خطإ في السّلوك، ناتج عن خطإ في التصوّر والاعتقـاد، وما من مشكلة تصيب إنسانـا ما إلاّ بسبب معصية ارتكبهـا، ما من معصية ارتكبهـا إلاّ بسوء تصوّره. إنسان يتوهّم أن الرّزق يأتيه من معصية، تصوّر واعتقاد خاطئ ينمّ عن جهل فظيع. والأصل أنّه: "ما ترك عبد شيئا لله، إلاّ عوّضه الله خيرا منه في دينه ودنياه" فبالعلم تُزال التصوّرات الخاطئة والعقائد الفاسدة، ومن قرأ بابا في العلم سلِم ونجا وسعِد. ولو نقرأ القرآن الكريم قراءة وتلاوة صحيحة لاكتسبنا تصوّرا صحيحا. فالحرام والمعاصي والشّبهات مدمّرة، من يقترب منها يحترق، لأنّه إذا صحّت عقيدتك صحّ دينك. وما أكثر تصوّراتنا الخاطئة عن الدّين وعن الحياة بصفة عامّة. فانظر كيف كان تصوٍّر الصّحابة لمفهوم الإفلاس أو المفلس. قال لهم رسول الله: "أتدرون من المفلس؟ قالوا:المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس فيكم من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإذا فنيت أخذ من سيّئاتهم ثمّ رُمِيَ به في النّأر." إذن تصوٍّرهم لمفهـوم الإفلاس كان خاطئا لا شكّ، ونحن كذلك اليوم الكثير منّا لا يملك تصـوّرًا صحيحا عن الصّلاة والصّيـام والحجّ، وعن الانفاق وهلّم جـرا..فينبغي أن ننتبه ونتعلّم جيّدا ولذلك ثبت في الحديث الشريف: "من يرِد الله به خيرا يُفقِّهْه في الدّين" إذن نجاحنا فلاحنا أن نملك تصوّرا صحيحا للدّيـن، ولمفاهيم وقوانين الحيـاة وما أكثرها! أنظر المسلميـن اليوم كيف يفهمون الدّين فهما سطحيا ساذجا. التصوٍّر والاعتقاد الصّحيح معناه مستحيل أن تعصيه وتربـح، وبالمقابل مستحيل أن تطيعه وتخسر. للأسف الشّديد الكثير ممّن يملكون تصوّرا خاطئا عن حقيقة دينهـم. تصوّروه شعائر تعبّديـة فقط، الدّين عندهم شعـارات، فصلوا الدّين عن السّلوك، فهموه عبادات فقط ما فهموه ورعاً وخشيةً وأمانةً. وهذا شاهد من السّيرة على سبيل المثال لا الحصـر: "تخلّف الصّحابي الجليل كعب بن مالك عن الجهـاد ومعه نفر كثير من المنافقين اعتذروا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقبل أعذارهـم، أمّا كعب فقد كان بإمكانه أن يفعل –وخاصّة وقد أوتي جدلاً (قوّة إقناع) كما يقول عن نفسه- لكن لصدق إيمانه أبى بل اعترف بخطئـه، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: "أمّا هذا فقد صدق" إذن فصحّة التصوّر والاعتقاد أساسه التّوحيد. كمــا تفكــر تكــون وقبل أن تنطلق عليك أن تتحرّر من كلّ القيـود والخلفيات المسبقـة، وأن تترك الخوف الوهمي وكثرة الشّكـوك، والتنصّل من الفِكَر السّلبيـة التي تولّد بدورها مشاعر سلبيـة، وأن تكنس كل الرّواسب العالقة والمخزّنة منذ أمد بعيد. فالأصل في حياة الإنسان الإيجابية إنْ على مستوى التّفكير أو المشاعر أو السّلوك. فمن عنده فشل أو تعاسة أو خوف فليركّز على عكسه، وبعبارة أوضح أن يُقبل على ما يريد لا على ما لا يريد. وأنْ يغيّر طريقة تفكيـره بكسر النّمط الدّائـري الذي طالما سبّب لصاحبه إخفاقات وإحباطات بل وأمراض دون أن يشعر، ولذلك قيل: "غيّر أفكارك كي تغيّر مصيـرك" فإذا فكّرت في الخير فسوف يتدفّق الخير، وإذا فكّرت في الشرّ فسوف ينتج الشرّ، والمثل العربي يقـول: "تفاءل بالخير تجده"، فالإنسان هو: ما يفكّر فيه طوال النّهار، ولأمر ما قال أحد الفلاسفـة: "أنا أفكّر أنا موجود" قال الشيخ الغزالي: "كما قال الإمبراطور الرّوماني "ماركوس أوراليس": "إنّ حياتنا من صنع أفكارنـا". وعليه إذا نحن ساورتنا أفكار سعيدة كنّا سعداء، وإذا تملّكتنا أفكار شقيّة غدونا أشقيـاء، وإذا خامرتنا أفكار مزعجة تحوّلنا خائفين جبناء، وإذا تغلّبت علينا هواجس السّقم، والمرض، فالأغلب أن نبيت مرضى سقماء. وهكذا..."(1) قـال "ديل كارنجي": "إنّ أفكارنـا هي التي تصنعنا واتّجاهنا الذّهني هو العامل الأوّل في تقريـر مصيرنا" وقال "إيمسون": "نبّئني ما يدور في ذهن الرّجل، أنبّئك أيّ رجل هو"(2) وقـال الشيخ الغزالي دائما: "واعتقادي الجازم أنّ المشكلة التي تواجهنا هي: كيف نختار الأفكار الصّائبة السّديـدة؟ فإذا انحلّت هذه المشكلة انحلّت بعدها سائر مشكلاتنا واحدة إثـر أخرى"(3). إنّ الطريق للخلاص من الظلمة هو النور، وطريقة التغلب على البرد بالحرارة، وطريقـة التغلب على الأفكار السلبية باستبدالها بأفكار طيبـة، أكّدْ على النية الطيبة تختفي النية السيئة. والحلّ أن تفضفض وتخرج كلّ الوساوس والمشاعـر السّلبية التي تملأ نفسك، وتضع نصب عينيك هدفا واحدا وهو: أن تتغلّب على نقائصك لترتقي في سلّم الكمال البشـري وإلاّ فلا تحسّن. تخيّلْ نفسك سعيدا متألّقـا رابط الجأش مُعافى وستكون كذلك، والعكس صحيح. فالسّعادة فكرة والشّقـاوة فكرة وكلّ التّجارب النّاجحة بدأت بفكرة.
(1)(2)(3) ص 106- 107 جدد حياتك- محمد الغزالي حاجتنا إلى التّربية والثّقافة كحاجتنا للهواء. ويستطرد صاحب كتاب "جدّد حياتك" قائلاً: "...والنّفس وحدها هي مصدر السّلوك والتّوجيه حسب ما يغمرها من أفكـار، ويصبغها من عواطف. إنّ ارتفاع الإنسان في مدارج الارتقـاء الثّقافـي والكمال الخلقي يغيّر كثيرا من أفكاره وأحاسيسه، ونحن نستطيع أن نصنع من أنفسنا مُثلا رائعـة إذا أردنا، وسبيلنا إلى ذلك تجديد أفكارنا ومشاعرنا، كما تتجدّد الرّقعة من الصّحراء إذا انضاف إليها مقدار ضخم من المخصّبات والميـاه. إنّنا نتحوّل أشخاصا آخرين كما تتحوّل هذه الصّحراء القاحلة روضة غنّـاء". ويسـرد الشيخ محمد الغزالي في كتابه "جدّد حياتكّ عن "ديل كارينجي" قصّة شاب نهكته العلّة فرحل يطلب الصحّـة، وكان أبوه يعلم طبيعة مرضه، وأنّ سقامه جاء من توعّك مزاجه، وغلبة أوهامه، فكتب إليه أبوه يقول لـه: إنّ الشّيء الوحيد الذي هو مصدر كلّ ما تعانيه هو نفسك، لا آفة بجسمك أو عقلك، فالذي تردّى بك هـو: العوج الذّهني الذي واجهت بـه تجاربك، وكما يفكّر المرء يكون، فمتى أدركت ذلك تكون قد شفيت". وقد صادف أن مرّ هذا الفتى عن كنيسة فدلف إليها يستمع إلى موعظة دينية تحت عنوان: "هذا الذي يقهر نفسه أعظـم من ذاك الذي يفتح مدينة". يقول الفتى معلّقا عن نفسه: "وكأنّما كان جلوسي واستماعي للموعظة، وإنصاتي للأفكار التي تضمّنهـا الخطاب، وكأنّهـا خطاب أبي يُقال بصيغة أخرى، فمسح الإضطراب الذي طغى على عقلي ووسعني في تلك اللحظة أن أفكّر تفكيرا متّزنا في حياتي، وهالني إذ ذاك أن أرى نفسي على حقيقتها. نعم رأيتني أن أغيّر الدّنيا وما عليها، في حين أنّ الشيء الوحيد الذي كان في أشدّ الحاجة إلى التغيير هو: تفكيري واتّجاه ذهني، هو نفسي(1) ويعلّق الشيخ محمد الغزالي رحمه الله على هذه القصّة بقوله: "والإسلام كسائر رسالات السّماء، يعتمد في إصلاحه العام على تهذيب النّفس الإنسانية قبل كلّ شيء، فهو يصرف جهودا ضخمة للتّغلغل في أعماقها، وغرس تعاليمه في جوهرها. فلا ينبغي أن نذهب بعيدا، ونهدر جهودا من غير طائل." (2) قــال الشّاعــر: عليك بالنفس فاستكمل فضائلهـا فأنت بالنفـس لا بالجسـم إنسان وقــال آخــر: وإذا كانت النّفوس كبارا تعبت في مرادها الأجســـاد فلنكتشف كنوزا عظيمة في أنفسنـا، وسنرى جوانب مشرقة وارفة ظلالها، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربّها. اسألْ نفسك كم كتابـا قرأتَ؟ وكمْ مجلّة تفحّصتَ خلال السّنوات الأخيرة أو خلال هذه السّنـة أو هذا الشّهـر على الأقل في تخصّصك أو كثقافة عامّـة؟ كمْ لغة تُجيد؟ هل تتقن مهارة الإعلام الآلي؟ّ.هل تتعاطى الأنترنت؟ كم جزءا من القرآن تحفظ؟ والحقيقـة تُقال أنّه مالم نُكثر من القراءة والمطالعة ومالم نستمتع بها فلا نُعدّ في عداد القارئيـن، فالعلم بحر عميق واسع شاسع وخاصّة في عصر الانفجار المعرفي المعلوماتـي الذي نعيشه اليوم فينبغي أن نغرف منه مااستطعنا، وإليك نموذج رائع لمثقّف مُدمن على القراءة لعلّك بمقولته هاته تعتبر !سأل أحدُ الصّحفيين أستاذا جامعيّا: ماذا تقرأ الآن؟ فأجابه: " قد لا تصدّق لو قلت لك أنّني أكون أتعس النّاس
(1)(2) ص 108- 109 جدد حياتك- محمد الغزالي إذا كنتُ بعيـدا عن القراءة، بل الأكثر من ذلك أنّني وأنا بعيد عن القراءة أشعر أنّني أدخل عالـم اللاّشيء. فالقراءة بالنّسبة لي هي المنفى والملكوت وهي المسكن والمهرب في آن واحد"(1). ولأمر ما خاطب الله رسوله الكريم في أوّل ماخاطبه به "إقرأ" وقد ثبت في الأثر: "أطلبوا العلم من المهد إلى اللّحد"، "اطلبوا العلم ولو في الصين." متعـة العمـل وبـذل الجهـد فالحياة دار عمل وابتـلاء، أمل وألم، فهل هناك طريق بلا منعرجـات؟ فكيف تكون حيـاة بدون ابتلاءات؟ ولو أنّ كلّ مؤمن نظر وتأمّل أحواله لردّد في نفسه مقولـة الرّجل الصّالـح: "...ولئن ابتلانا قليلا فقد عافانا كثيرا"، قال تعالى: "تبارك الذي بيده الملك وهو على كلّ شيء قدير، الذي خلـق الموت والحياة ليبلوكـم أيّكم أحسن عمـلا"(1-الملك ) وتلك لعمري سنّة الله في الخلق. وعليناأن نخوض غمارهـا بتفاؤل وإيجابية لبناء مستقبل زاهـر، فنحن لم نخلق لنعيش تعساء أشقيـاء. قال تعالى: "طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى"(1-طه)، بل لنأخذ زينتنا ونسيح في الأرض ونمشي في مناكبها ونستمتع بكل طيّب من الرّزق، ونشيع ثقافة الحياة والأمل والحبّ والرّحمة والتّسامح، والتّنمية والبناء والإعمار، لا ثقافة وصناعة الموت والحقد والعداوات والهدم والتّكسير، ونمدّ جسورا للتّعاون والتّواصل والحوار. مع العلم أنّ الذي يجمعنا أكثر بكثير من الذي يفرّقنا، وأنّ الذي يسعدنا أكثر بكثير من الذي يشقينا.
(1) الدكتور عبد الله حمادي-أستاذ جامعي ورئيس اتحاد الكتاب الجزائريين سابقا فكلّ شيء تفكّر فيه وتميل إليه وترغب فيه وتهتمّ به، وتركّز عليه وتوليه من العناية والاهتمام والجهد والوقت تُنتج فيه بل تبدع. إنّه مبدأ أو قانون في الحيـاة أشار إليه الدّين، وأكّـده العلم وأثبتته التّجربة. وقد ثبت في الحديث الشريف: "إنّ الله يحبّ أحدكم إذا عمل عملا أن يتقنه". فإذا كانت لديك رغبة وسنحت لك الفرصة، وتوفّرت لديك القدرة اللاّزمـة تصبح المعادلة(رفق) متكاملـة وقابلة للتّنفيذ فلا تتردّد. فإنّ الفرصة إذا لم تُستغلّ وتُستثمر تُصبح غصّـة. ركّزْ على الإيجاب على ما تستطيع تحقيقه، اجعلْ مُتعتك في عملك، فطاقة الحبّ تولّد الرّزق والنّجاح. تمتّعْ براحة البال والانسجام والصّحّة والهـدوء. تذكّرْ أنّ الثّروة الحقيقية تقبع في داخلك وكيانك، في عقلك وقلبك وروحك. ضلّ من يعتقد الرّزق في الأموال فقط، فالعافية رزق والعلم رزق، والنّجاح رزق والذريّة رزق وعافية أبدانهم وعقولهم رزق وصلاحهم رزق وهكذا .... قـال تعالـى: "ومابكم من نعمة فمن الله." (53-النّحل) وقال أيضا: "وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها."(34-ابراهيم). فالإنسان منغمس يتقلّب في نعم من الله وأفضال لا عدّ لها ولا حصر، بحيث حيثما يلتفت وكيفما يفكّر يجد نعمة سابغة. قـال تعالـى: "ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض" (20-لقمان) فاشكرْ واهب النّعم يزدك، واتقنْ عملك يحبّك. 03 فقـــه النجــاح. كيف تؤكـل الكتـف ؟ ومـن أيـن تؤتـى البيـوت ؟ واعلـمْ أنّ تحقيـق النّجاح والظّفـر بالسّعـادة، والوصول إلى راحة البـال والاطمئنان القلبي والنّفسي ممكن جدّا وليس بمستحيل، فقط عليك أن تعـرف من أين تُؤكل الكتف؟ وتُؤتى البيوت؟ فأنت اليوم حيث يوصلك تفكيـرك ومواقفك وأعمالك، وأنت غدا كذلك. فسِرْ مع أصحاب الهمـم العاليـة، ولا تزهد في طلب العلم والاستزادة منـه فإنه مفتـاح النّجاح فلا تضيّعه ولاتقصّر ولا تتهاون في تحصيله. قال ابن القيم رحمـه الله: "من قضى عصـر الشّباب في طلب العلـم وتحصيلـه، فإنّه في زمن الشّيخوخة يجني ثمر ما غرس ويلتذّ بتصنيف ما جمـع." وانظرْ إلى النّاجحين من حولك واحْذُ حذوهم. الفاشل يقـول: النّاجح محظوظ. لكن هذا الأخير صنع نجاحـه بيـده. فالنّجاح قد يأتي صدفة أووراثة وهو استثناء، لكن الأصل فيه أنّه يبنى لبنة لبنة حتى يبلـغ تمامـه. فالنّاجحون لا يؤمنون بالحظّ وبالكرامات والصّدفة، بل يشتغلون بالتخطيط وبذل الجهد والعرق. وقديما قالوا:" من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة." ولا بدّ من التدرّج والمرحلية، وعدم حرق المراحل، والاصطدام مع النّواميس الكونية والطبيعية فالعجلة من الشّيطان، وأهمّ من أن تتّجه بسرعة أن تتّجه الاتّجاه الصّحيح، فالتسرّع لا يأتي بخير، ولذلك ثبت في الحديث الشريف: " إنّ المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى" وكلّ من خَبِرَ الحياة يعرف أن من يصعـد بسرعـة يسقط بسرعة.واصلْ طريقك واجتهدْ فإن أهمّ ما يميّز النّاجحين الاجتهاد. ولا تتراجع مهما كانت الصّعاب والعقبات التي تعترض طريقك، فإنّ الشّخص النّاجح هوالذي يمكنه أن يضع أساسـا ثابتا من الحجارة التي تُلقى عليه. فما أجمل الصّعود نحو القمّة! قـال أبوالطيب المتنبي : إذا غامرتَ في شرف مروم فلا تقنع بـما دون النّجــوم لا للفهـم الأعـوج والفقـه الأعـرج. الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام إذا فقهـوا. وقد دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- لابن عباس رضي الله عنه فقال: " اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل" والفقـه لغـة: العلم بالشّيء، والفهم له. يُقال تفقّه الرّجل أي تعلّم الفقه وتعاطاه، أي العلم بالأحكام الشّرعية من أدلّتها التّفصيليـة، ومن معناه أيضا: الحذق والفطنة. والفقيه من كان شديد الفهم عالما ذكيّا. قال تعالى:"فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين ولينذروا قومهم"(166-التوبة) وفي العلوم الشّرعية نجد فقه العبادات وفقه المعاملات وفي العلوم القانونية الفقه القانوني، وفي العلوم السّياسية الفقه السّياسي وفي علوم التربية الفقه التّربوي وهكذا...الخ) إذْ لا يخلو مجال من مجالات الحياة من علم خاصّ به. فالزخم العلمي والتّراكم المعرفي والتقدّم التّكنولوجـي قد بلغ مبلغا لم يكن يخطـر على قلب بشر. وكم نحن في حاجة ماسـّة إلى فقـه ديننا ودنيانا، فقها سليما على يد علماء عـدول ثقاة، مشهود لهم بالخيرية والصلاح، والوسطية والاعتدال، ومنهم على سبيل المثال لاالحصر في عصرنا هذا العلمـاء والدّكاترة أمثال الشيخ يوسف القرضاوي، ومحمد سعيد رمضان البوطي، الغزالي رحمه الله، عصام البشير، محمد راتب النابلسي، محمد الهادي الحسني، محمد حسّان، محمد سليم العوّا، طارق السويدان وغيرهم كثير، خاصّة ونحن في زمن قد اختلطت فيه المفاهيم والمصطلحات، وشـاع فيه الفهم الأعوج والفقه الأعرج، وانتشر فيه الغلوّ في الدين، والتطرّف في الفكـر والسلوك. وهو أمر ممجوج مرفوض في كل صوره وأشكاله وجوانبه ليس في الدّين وحـده، بل في كلّ مظهر من مظاهر الحياة. وما تعيشه الأمّة اليوم من محن وفتن وبأس شديد بين أبناء الملّة الواحدة حيث وصل الأمر إلى حدّ التصفية الجسدية والاقتتـال، الذي طالما نهانـا عنه نبيّنا صلّى الله عليه وسلّـم: "لاترجعوا بعدي كفّارا يضرب بعضكم رقاب بعض." الحديث متفق عليه. إذن بالإيمان العميق والفهم الدّقيق والعلم الصحيح والعمل المتقن المتواصل، بالاستمـاع لهؤلاء العلماء الأعلام وأمثالهم وهم كثر على الساحـة مـن الدّعاة والمثقفين ورجال الفكـر والأساتذة والإعلاميين المتنورين، وبأخذ العلم عنهم ونشر فكرهـم المعتدل نتفادى كل الانزلاقات والانحرافات، ونشقّ طريقا نحو البناء والتّعميـر والتّقدّم والازدهار. إنّه الفهم الصحيح للدّين وللحياة معا الذي يتوجب علينا أن نورّثه لأبنائنا وللأجيال الصاعدة. النّجــاح فـي الحيـاة ولنصنع النّجاح لابدّ من فقهه أوّلا، ومن وقفة تأملّ ثانيا، وبعد هذا وذاك تكون الانطلاقة الجـادّة الواعية المبصرة بإذن الله تعالى. وعليه دعوني أفصّل لكم هذه المفردة وهذا المفهوم والمصطلح الذي تردّده كل الشّفـاه ويرغب كلّ إنسان - بغضّ النّظر عن دينه وثقافتـه وجنسـه- ويسعى للوصول إليه والتّحقق به. قال أحد المتخصّصين في البرمجة اللغويـة العصبيـة: "إذا أردتَ أن تكون طبيبا فقمْ بدراسة الطبّ، وإذا أردتَ أن تكـون مهندسـا فقمْ بدراسـة الهندسة، وإذا أردتَ أن تكون ناجحا فقمْ بدراسة النّجاح."(1) ولكن أيّ نجاح؟ هل هـو النّجاح الدّراسي؟ أوالمهنـي؟ أم هوالحصول على الشّهادات والارتقاء في سلّم الدّرجات العلمية والأكاديمية؟ هـل النّجاح أن تبني بيتا وتكوّن أسرة وتكسب سيارة وتملك رصيدا ماليا ضخما ومشاريع منتشـرة هنـا وهناك؟ أعتقد أن النجاح هو هذا وأكثر وأعظم منه هـو: أن تفهم ذاتك من أنت؟ وأن تكون لك رؤيـة ودور ورسالة تؤديها بصدق وإخلاص وتتفانى في خدمتها.النّجاح أن تكون لحياتك قيمة ومعنى ودلالة، النّجاح أن تطوّر في مستواك المعرفي والفكري والثّقافي. أن تنجح على مستوى العلاقات، وعلى مستوى العطاء والإنجاز.
(1) قول في البرمجة اللغوية العصبية- ابراهيم الفقي وأعظم نجاح على الإطلاق: أن تنجح مع الله عزّ وجلّ وهو رصيد أعزّ وأغلـى من كلّ الثّروات التي تملكها، ثبّتْْ هذه الإنجازات في داخلك وإلاّ فما قيمة أن تربح الدنيا بأكملها وتخسر الآخرة ؟ قـال تعالـى:" وللآخرة خير لك من الأولى" (4-الضحى). فالكيّس يختار التي هي خيْر وأخْلدْ وأبقى ويؤثرها على الفانية الزّائلـة. قـال الصحابي الجليل علي ابن ابي طالب- كرّم الله وجهه- ورضي الله عنـه: "طوبى لعبد اتّقى فيها ربّه ونصح نفسه من قبل أن تلفظه الفانية الى الباقيـة فيصبح عظاما نخرة لا يستطيع أن يزيد في حسنـة، ولا أن ينقص من سيّئة، فيُحشر فيُنشر فإمّا الى جنّة يدوم نعيمها، أو الى نار لا ينفذ عذابها." فالغاية من إنزال الكتب وبعث الرسل وتشريع الشّرائع: إسعاد من يستجيب من البشر للدّين الحقّ في العاجل والآجل، أي النّجاح في الدّنيا والفلاح في الآخـرة. والنّجاح المتوازن أمر محمود ومرغوب فيه شرعا وعقلا. فإن لنفسك عليك حقّا، ولربّك عليك حقّا، ولأهلك عليك حقـا، ولأمّتك عليك حقا، فاعطِ كلّ ذي حقّ حقّـه دون إفراط أو تفريـط. فالاتّزان، الاتّزان، والاعتدال، الاعتدال، وخير الأمور أوسطها. النّجاح بدايتــه فكــرة النّجاح الذي نحصل عليه ينطلق من خلال فكرة نصنعها نحن، ونمضي في تحقيقهاعلى أرض الواقـع. قلْ فكرتكَ بعد أن ُتعْملهـا في ذهنك، تحدّثْ بها ثم اكتبها، ثم خطّطْ لتنفيذها ثمّ انطلقْ بعزيمة ستحقّق ذاتك، ستصل إلى ما تريـد، ستكون كما تريد. اعلـمْ أن بلوغ الغايـات السّاميـة وتحقيق المقاصد النبيلة لا يتأتّى إلاّ ببذل الجهد والتّشمير على ساعد الجـدّ والصّبر على تحمّل مشـاقّ الطّريق. ألا إنّ سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنـّة.
بيـن النّجـاح الشّكلــي والنّجـاح الحقيقــي هل هـو التّكاثر والجري وراء جمع الأمـوال من حلّ ومـن غير حلّ وبأيّ وسيلة؟ والحرص على التّكديس والتّجميع والمفاخرة والمباهاة؟ قال تعالى:" ألهاكم التكاثـر حتى زرتم المقابـر، كلاّ سـوف تعلمون، ثم كلاّ سوف تعلمـون"(1،4-التكاثر) أم هواللّهث لإرواء الشّهـوات وارتكـاب المنكـرات ونهب الممتلكـات بدعوى الحريّة والقوّة والبطولـة؟ أم هو السّعي لنيل الشّهـرة والنّجومية وتصدّر المجالس، وأن يُشار إليك بالبنان؟ أم هو استغراق العمر كلّه في اكتناز الثّروة وبناء الدّور وتشييـدها والتفنّن فيها، واقتناء السيارات الفاخرة آخر موضة والتباهي بهـا؟ ولا ينبغي أن ُيفهم من كلامي هذا أنّني أنتقد كلّ مسعى لطلب المال وكسبـه وأنتقص من شأنـه، كلاّ وألف كلاّ لأنّ من انتقد شيئا افتقـده فالمـال عصب الحياة. " نِعْم المال الصّالـح في يد الرّجل الصّالح " كما ثبت في الأثـر. قـال تعـالى:"يابني آدم خــذوا زينتكم عند كل مسجد، وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"(31-الأعراف) وقال أيضا:"قلْ من حرّم زينة التي أخرج لعباده والطيّبات من الرّزق"(32-الأعراف) هنـــا يكمـن الــدّاء فالخلل ليس في جمع المـال ولكن المبالغة في الاهتمام به، ونسيان الآخـرة، أو كسبه من غير حلّ، وإنفاقه في غير أوْجه الخيـر. الانحراف يحدث عندما يصبح الدّينـار والدّرهم أكبر همّنـا ومبلغ علمنا، حينما تتربـّع الدنيـا على سويداء القلوب. هنا يكمن الخطر ولذلك ورد في الدّعاء: " اللّهم اجعل الدّنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا." وقد أشار القرآن الكريم إلى مثل هذا المحظور في قوله تعالى: "وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما، قل ما عند الله خير من اللّهو ومن التّجارة، والله خير الرّازقين"(11-الجمعة) وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قـال:"تعس عبد الدّينار وعبد الدّرهم وعبد الخميصة، إن أُعطي رضي وإن لم يُعطى سخط، تعس وانتكس...". قـال رسول الله صلّى الله عليه وسلـّم: "ألا | |
|
بوراس بوعلام مشرف
عدد المساهمات : 203 السٌّمعَة : 40 تاريخ التسجيل : 25/11/2008 العمر : 47
| |
بوراس بوعلام مشرف
عدد المساهمات : 203 السٌّمعَة : 40 تاريخ التسجيل : 25/11/2008 العمر : 47
| |
بوراس بوعلام مشرف
عدد المساهمات : 203 السٌّمعَة : 40 تاريخ التسجيل : 25/11/2008 العمر : 47
| موضوع: رد: صناعة الذات " عماري جمال الدين 2012-04-20, 1:38 pm | |
| التغييــر يبـدأ مـن الدّاخـل لمـاذا لم أتغيّر؟ سؤال يطرحه كلّ فرد على نفسه وهو ضمن الأسئلة السّالفـة الطّرح والجواب ببساطة واختصار، لأنّك لـم تُرِد ذلك، وكما يقول المثل الفرنسي المشهور: "لوتريد تفعل." لأنّـه ليس بمقدور أيّ قوّة أن تغيّر في حياتك إلا أنت، العوامل الخارجية بشرية أو مناخية أو غيرهما يمكن أن تؤثّر فيك فقط، أمّا التغيير فيحدث من داخل النّفس، عن قناعة داخلية وبإرادة ذاتية. والتغيير نوعان: تغيير خارجي بصدمـة، وتغيير داخلي مبني على اقتناع، وعادة ما يكون بعد تأمّـل وتفكير فتنشأ إرادة واختيار يتولّد عنهما قرار. والنّوع الثّاني أفضل، فأنت تتغيّرعندما تريد وتقرّر أن تتغيّر. ويحدث التغيير من الدّاخل من ذواتنا عبر قوّة الدّفـع الدّاخلـي وتمثّل أكثر من 90% فنكـون في أحسن وضع بأفضل الحلول وأفضل الخيـارات والبدائل وخاصّة إذا كنّا نتوفّرعلى الرّغبـة الصّادقة والإرادة القويّة في هذا الاتّجاه. قال الشيخ الغزالي:"فالتربية الإسلامية أوغلت إلى حدّ هائل في دراسة النّفوس وأحوالها، والقلوب وأطوارهـا، مستهدفة في هذه الدّراسة جعل السّعادة العظمى تنبع من داخل الإنسان لا من خارجـه، ومغرية المرء أن يرتقب في آفاق نفسه وحدهـا كواكب اليمن والإقبال والرضوان. فإذا طلعت بعد طول رياضـة وتجرّد وصدق وإخلاص، فهيهـات أن يدرك شعاعها أفـول." والتغيير ليس أمرًا سهلاً وفي الوقت نفسه ليس مستحيـلا، فإذا توفّـرت الرّغبة الصّادقة والمقدرة الفعلية تنجز الكثير، وإذا استطعت فعلا أن تحدث التغيير، كأن تتخلّص من بعض العادات السيئـة وتستبدلها بعادات حسنة، عندها ستنظر إلى الماضي وتبتسم وتسأل نفسك قائلا: لماذا لم يحدث هذا التغيير منذ زمان؟ لماذا كان كلّ هذا التردّد والتخوّف والتباطؤ؟(1) التغييــر وسيلـة وليس غايــة قال تعالى:" إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم."(11-الرعد) ولتحقيق هذا الغرض لا بدّ من وعي عميق وفهم دقيق لسنن التّغيير في الأنفس والآفاق، لا بدّ من العلم والعمل لا بدّ من التزكية والمجاهدة. فالنّتيجة لا تأتي هكذا دون بذل جهد في هذا الإتجاه.
(1) ص:110-جدد حياتك-محمد الغزالي إذن حدّد موقعك أين أنت الآن؟ وماذا تريد بالفعل؟ ثم بادر إلى التنفيذ ولا تتردّد ولا تتوقّف، ولا تستعجل قطف الثّمار قبل الأوان، فالزمن جزء من العلاج أمّا كيف؟ غيّرْ من طريقة تفكيرك، غيّرْ من النّظام الثابت لديك لأنّه إذا مااستمر الإنسان في فعل الشيء نفسه وبالطريقة نفسها فلا يتوقـع إلاّ النّتائج نفسها، والطّريق الوحيد لتغيير المخرجـات تغيير المدخـلات. افعل شيئا مختلفا عن عاداتك، اكسر الدّوائر المغلقة من السبب إلى النتيجة وستنجلي أمامك دروب النّجاح ويتحقّق التغيير المنشود، غيّرْ تتغيّرْ، الأمر بيدك أنت وحدك، والتغيير مجرد وسيلة أمّا الغاية فهي السعادة، فنحن لا نغيّر من أجل التغيير ولكن من أجل إسعاد أنفسنـا، وإسعاد الآخرين من حولنـا. فاسلك طريق السعادة تصل إليها بإذن الله تعالى، وحقّقِ الشّرط الذي ذكرته الآية11 من سورة الرعد وغيّرْ ما بنفسك يُغيّرُ الله حالك إلى أحسن حال، إنها قاعدة قرآنية وقانون ربّاني، من التزمه فاز ونجـا وسعـد. وانظر إلى العالم من حولنا في حالة تغيّر دائم، ومع كلّ تغيير يأتي تولد فرصة جديدة أمامك، وستندهش من عدد الفرص التي طرقت بابك في يوم واحد دون أن تلتفت إليها. لا تركّز على المشاعر والعواطف بل ركّز على التفكير والفعل، فمن فكّـر ولم يفعل كمن فعـل ولم يفكر. ركّزْ على السبب لا الأثر أو النتيجة. حرّر عقلك لتحقّق متعتك ثِقْ بما عند الله، وبما زوّدك به القدر من طاقـات وقـدرات، أخرجْ من داخلك قرار التّغيير ولا تتردّد، فالزّمن يمضي لا ينتظر. التغييـر يسيـرعلـى مـن يسّـره الله عليـه دليل ذلك الصّحابة رضوان الله عليهم كيف كانوا في الجاهلية وكيف أصبحوا، كذلك الكافر حينما يسلم لا شكّ أنه يشعر بتغيير جذري في حياتـه، فالنّاس يتغيّرون في معلوماتهم، في حاجاتهـم وأهدافهم، في قدراتهم ولذلك قيل عن الفتوى في الفقه الإسلامي أنّها تتغيّر بتغيّر الزّمـان والمكان والعرف والحال وهكذا...فسبحان مغيّر الأحوال من حال إلى حال ونعوذ بالله من حال أهل النار. وأنت بعد التغيير، تصبح بوجه آخر لكن بأسلوبك واختيـارك وقـرارك السيّد وكامل حريتك. فالتحدّي في الحياة أن تغيّر نفسك، وتسير على ذلك لتصبح الشّخص الذي تريد أن تكونه. وتستغلّ طاقاتك الكامنة لتكون أكثر توفيقًا ونجاحًا وانتصـارًا وسعادةً. إذن يمكن للإنسان أن يُحدث تغييرًا جذريًا في حياتـه ومن يقول عكس هذا فهو مخطئ.غيّرْ من عاداتك وخاصّة السلبية منها اقلع عنها أهجرها، إنّه بإمكانك أن تفعل. فأنت مثلا في طور الشباب لست أنت في طور الكهولـة، وأنت قبل أن تتعلّم وتكسب خبرة لست أنت بعد انتهاء المرحلة التعليمية واكتمال النّضج لديك، مما يدلّ على أنّ تغييرا كبيرا قد مسّ حياتك في جوانب عدة. إذن خالطِْ الأخيار من الناس، احتكْ بالنّاجحين والمتميّزيـن تستفِدْ وتنجحْ وتتميّزْ. حينما تغيّر المكان والمناخ والعباد لا شكّ تتغيّر فـي أسلوب تفكيرك وطريقة معاشك وفي نظرتك إلى الأشياء...إلخ) فأنت على طريق التغيير فلا تستعجل يكفي أن تسلك طريقه، وتلتزم ببعض الضوابط والالتزامات والأعمال المشروعة. هـل أنتصـر للعقـل أم للعاطفـة ؟ تجسيدًا لمبدإ التحكّم في الذّات، الذي كلّه مصلحة وخير للإنسان، فإنّنا في خضمّ صراعات الحياة ينبغي أن ننتصر للعقل والحقّ وليس للانفعالات والعواطف. وقدوتنا في ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الذي كان ينتصر للعقل بل للحقّ والحادثة المشهـورة: "آأشفع في حدّ من حدود الله؟ والله لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها." وقوله صلّى الله عليه وسلّم لأقرب النّاس إليه: "يا صفية عمّة رسول الله اعملي فإنّي لا أُغني عنك من الله شيئًا."وقوله :"من أبطأ بـه عمله لـم يُسرع بـه نسبـه." فلو حكّم الإنسان عقله دائما وحكّم شرع الله في كل أموره ماخسر قضية. وتغييب العقـل خسارة كبيرة للفرد وللأمّة. ففي الجاهلية مثلا كـان العقل مُغيّبا وكانت السيطـرة والغلبة للقلب والعواطف، وإلاّ كيف يَئِدون البنت وهي صغيـرة؟ ولمّا جاء الإسلام أعاد الاعتبار ليس للعقـل وحده بل للقلب وللعلم. فالإنسان تتغلّب عليه عواطفه ومشاعره، ويعتريه الضّعف البشري وتحرّكه المصلحة والمنفعـة كما تحرّكه المبادئ أيضا. والتربية ليست شيئًا سهلاً لكنّها الطّريـق الوحيد إضافـة إلى التعليـم والتكوين لترقية حسّ الإنسان وتهذيب طباعه والسّير بـه نحو الأحسن والأفضل، ورغم ذلك فقد ننجح في صناعـة الإنسان وقد نخسر. إذن أنت في حاجة إلى تأكيدك على التغيير المطلوب، وفي رحلة التغيير أنت بشر تُخطئ وتُصيب تسقط وتقف، وخير الخطّائين التوابون. مراحـل واستراتيجيــة التغييــرالفعّالــة 1) مرحلة الإسقاطات: تجد الفرد يبحث ليبرّر ضعفه وتهاونه بمبرّرات خارجية واهية كالوسوسة والحسد والمسّ والتآمر عليه، فأوّل خطوة معه أن يتحرّر من هذه الأوهام بالوعي والتعلّم وتعميق الفهم، وتهيئته للتغيير فالتّهيئة الذّاتية والاستعداد النّفسي خطوة أساس ذات أولوية أولى. 2) مرحلة الإعداد: بأن يعرف قيمة المعلومة في البداية قد ينكر التغيير ويقاومه، وبعد إقناعه وتعبئته وشحنه يتقبّل الأمر بل يلتزم به ويسعى عن طواعية للتنفيذ.
3) الشّروع في العمل والتطبيق. 4) مرحلة الصّيانة: (تعديل، إعادة بناء، إعادة ترتيب.) 5) تحقيــق النتيجــة. بيــن التغييـر والتأثيــر غيّـرْ نفسك يتغيّر العالم من حولك، فالإنسـان كلّما أعطى أهميّة للآخر ونسي نفسه فشـل لأنّ المنطلق خاطئ. فابدأْ بنفسك أوّلا أمّا الآخرون فنحن نملك حقّ التّأثير فيهم ليس إلاّ، نعم نساعدهم بالتربية والتعليم وبنشر الوعي في أوساطهم كي يغيّروا أنفسهم.أمّـا أن يدّعـي إنسان أنّه بإمكانه أن يغيّر في الآخرين فهو واهم، لأنّ التّغيير شيء والتّأثير شيء آخر، فنحن لا نملك حقّ التّغيير، لكن نملك حقّ التأثير. نحن مثلا نتأثّر بالهواء المناخ الغذاء البيئة، فاللّون له تأثير والصّوت له تأثير، حتّى الكلمة تؤثّر بل مجرّد حركة وإشارة تؤثّر، تصوّر القمر له تأثير علـى الإنسان على البحر على النّبات. فكلّ شيء يؤثّر في كلّ شيء. إذن فحقّ التأثير موجود في الحياة، فاعمل شيئا جميلا يتأثّر به الآخرون، بعملك بإضافتك برسالتك، أمّا حقّ الهداية وحقّ التغيير فليس من حقّك ولا من حق غيرك مهما كان، ولو كان المعني بالتغيير نبيّا رسولا، قال الله تعالى مخاطبًا رسوله الكريم بهذا الشأن "إنّما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر."(22-الغاشية) فبالّسلاسل لا تستطيع أن تجرّ الآخريـن إلى ما تريـد. فلا يجوز لأحد على أن يُكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين أويكونوا كلّهم على دين واحد، أو على مذهب واحد، كما أنّه ليس لأحد أن يحاسب النّاس على هدايتهم أو ضلالهم، أو يجبرهم على اتّباع منهجه، مشيئة الله وحكمته اقتضت أن يكون النّاس مختلفين، ولذلك خلقهم. قال تعالى: "أفأنت تُكرِه النّاس حتّى يكونوا مؤمنين."(99-يونس) وقال تعالى أيضـا: "لا إكراه في الدين."(256-البقرة) وقال تعالـى: "ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلاّ من رحم ربّك ولذلك خلقهم."(118، 119 هود) وقـال تعالـى: "ومن النّاس والدّواب والأنعام مختلف ألوانها." (28-فاطر) فظاهـرة التنوّع ظاهرة إثراء وتكامل لا ظاهرة تضادّ وتصـارع، ولذلك خلق الله النّاس مختلفين في ألوانهم وألسنتهم في أعراقهم وأجناسهم، فالاختلاف بين بني البشر سنّة كونية وحكمة إلاهية. انظرْ كيف عاش المسيحيون وحتّى اليهود كأهل ذمّة في كنف الدولة الإسلامية لم يمسسهم سوء. فهذا مقتنع بالشيوعية فهو حر،ّ وهذا خياره لبرالي فله ما أراد. قال تعالى: "لكم دينكم ولي ديـن." (6-الكافرون) فحقّ الاعتقاد وحقّ التعبير عن الرّأي مكفـول في كلّ الشّرائـع والأديان والدّساتيـر والقوانين. أمّا أن أُكرِه الآخرين وأُجبرهم على اتّباع منهجي أو مذهبي أو طريقتي أو ديني بالقوّة، فليس من المنطق في شيء ولا من الدّين ولا من العلم في شيء، وهو يتنافى مع مبـدأ التعدّد في الخلق. قال تعالى:"ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة، ولكن يُضلّ من يشاء ويهدي من يشاء..."(93-النحل) والإنسان اجتماعي بطبعه يؤثّر ويتأثّر وفي الحديث الشريف: "مثل الجليس الصّالح والسّوء كحامل المسك ونافخ الكير..."(رواه أبو موسى الأشعري) ومـن الأمثلة المشهورة فـي ثقافتنا العربية: "المرء على دين خليلـه فلينظر أحدكم مـن يخالل"ومثـال "الصّاحب ساحب" ومثال "قل لي مـن تصاحب أقول لك من أنت" وهكذا ينبغي أن تكون لك قدرة على الإقناع وقدرة أخرى على التّأثيـر طبعًا الإيجابي. قالت إحدى بنتي سيدنـا شعيب لأبيهـا: " قالت إحداهما ياأبتِ استأجره، إنّ خير من استأجرت القوي الأمين."(26-القصص) القويّ: صاحب كفاءة مقتـدر، والأمين: الثّقـة الورع صاحب الوازع الدّيني والضّمير الحيّ الذي يخاف الله ويخشاه، والذي يملك قدرة عجيبـة على التّأثير لأمانته وصدقه واستقامته. وأوّل أنواع القوّة، قـوّة العقيدة والأخلاق، قـوّة الحقّ والعدل، قـوّة الفكر والوعي، قوّة الأهداف والتخطيط. إنّه لا إقناع بدون علم بدون حجة دامغة بدون كفاءة، ولا تأثير بدون خوف وخشية من الله واستشعار عظم المسؤولية وثقل الأمانة. وعلى كلّ راغب في التّأثير أن يتصف ويتخلق بهذه الأخلاق ثم يسعى لامتلاك الأدوات الفكرية والثقافية اللازمة كي يؤدّي الأمانة والرّسالة بصدق وإلاّ ينصرف ويترك السّاحة لأهلها. وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم. عمـلاق (لا) لا لليــأس والقنوط، نعم للإيمان والأمل، مـا أكثر المفردات والكلمات التي تحمل شحنات سلبية والتي نسمع البعض من النّاس يردّدها، كقول أحدهم: لا أستطيع..لا أقدر..لا أعرف..الخ) وقد تَصْدُر منّا أحيانا. إنّها عبارات تكرّس وتزرع السّلبية في أعماقنا فعندما تقول: أناغير قادر.. فالعقل الباطن يُلغي أنا ويُبقي على غير قادر، فهو يستخلص الشّيء السّلبي، إذن لا تردّد مثل هذه العبارات، فهي ليست مجرّد عبارات، بل برمجة سلبية يتلقفها العقل اللاواعي ويرسّخها، فما تضعه في نفسك تجنيه. إذَا قلتَ مثلا: أنّ الرّياضيات صعبـة لا أستطيع تعلّمها فسيكون الأمـر كذلك، على اعتبـار أنّك مرّرْتَ قناعـة واعتقادا سلبيا حول هذه المادّة. فاعتقادُك الدّاخلي:" أنا لا أستطيع" تضعُ به قيـودًا لنفسك. كذلك قولك:" لكن..أحاول..ربّما.. "هي الأخرى مفردات سلبية تهدم ماقبلها، فهـي تُعطي رسالة إلـى العقل الباطن: لا تفعل. كأن تقول مثلا: أنت مجتهد لكن..فكلمة "لكن" تُلغي ما قبلها وتهدّمه وتلغيه، وكما يُقال تضربه في صفر، كذلك لا تقل للطفل: لا تكسر الكأس. فالعقل اللاواعي يُلغي: لا..ويبقي أَكْسِر الكأس. والأوْلى أن تقول له: انتبهْ أمامك. ضعف التقدير الذاتي أيضا غيرمقبول، وذلك حينما تعتقد، أنّك أقلّ قيمة من الآخرين، وهي أخطر برمجـة، حينما تُكَوِّن صورة عن نفسك ضعيفة، اعتقادُ أنّكَ ضعيف هذا ممكن أمام مولاك حين تناجيه أمّا مع الخلق فالأمر يختلف، لأنّ الشّعور بالضّعف الدّاخلي يُنمّي الخوف الاجتماعي، عندما تكون ثقتك فـي نفسك ضعيفة وشخصيتك مهزوزة، تصبح تتردّد كثيرا وتخاف من الدّخول في أيّ مشروع، وقـد يصل بك الحال إلى حالةإحباط، فحذارِ من تحطيم النّفس ومن تكسيرها. وحتّى تغيّـر من هذه البرمجة السّلبية، أنظـر كيف تُحدّث نفسك؟ ولاحظْ ماذا تقوله للآخريـن؟ وكيف ينظرون هم إليك فقـد يبرمجوك فلا تهتمّ ولا تتأثّر، ألغِ في الحين رسائلهم السّلبيـة الموجّهة إليك أعكِسهـا. إذن انتبهْ إلى ما تقوله أنت لنفسك والغِ كلّ ما هو سلبي، وانتبـهْ إلى ما يقولـه الآخرون عنك والغِ السّلبي منه، وبمثل هذه الردود الواعية تَسلم وتتفادى كل السهام المسمومـة. إنّ حديثك النّفسي إلى عقلك حديث صامت وغير مرئـي ومع ذلك فهو حقيقي. هناك دراسـات حديثة1986 توصّلت إلى أن 80 %من التحدّث مع الذّات سلبي ممّا يسبّب أمراضا خطيرة. فـإذا حدّثتك نفسك: "أنا ضعيف، لا أقدر، لا أستطيع.."ألغِ في الحين، وقل: "أنا إيجابي، أقدر وأستطيع بإذن الله. وإذا جاءك الخطاب من الآخريـن بأنّك: "عصبي وعاجز ونَفَََسُك قصير" ألغِ في الحين، وقـل:"أنا هادئ، أقـدر إن شاء الله، نفَسي طويل. "كرّرْ هذه العبارات فإنّ للكلمة قوّة عجيبة، جرّبْ مـع نفسك ومع الآخرين، أنظرْ مثلا لمّا تستغرق في حالة من الدّعـاء والابتهـال، وخاصّة إذا كانت الأدعية المأثورة والتي كان نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم يدعو بها، أكثِر من مثل هذا وستلاحـظ النتائـج والأثر الطيب إن شاء الله تعالـى. أزِحْ الهمّ والحزن عن نفسك، وأحسنْ الظّن بالله وبالنّـاس وتواصلْ معهم، واطردْ كلّ الوساوس والأفكار السّلبية. راقبْ أفكارك لأنّهـا ستصبح كلمات، وراقب كلماتك لأنّها ستصبح أفعالا، وراقبْ أفعالك لأنّهـا ستصبح عادات وأخلاقا، وراقبْ أخلاقك فهي سر نجاحك في الدنيا والآخرة والمصدر الأساسي لسمعتك وشخصيتك.إنّه لا سبيل للتغلّب على الأفكار السّلبية إلا بإلغائها وتبنّي الأفكار الطيبة النّافعة الإيجابية. وهذه بعض صفات الإنسـان السّلبي. أعرضها عليك مخافة أن تقع فيها وتكون فريسة لها، إقرأها ثمّ تأمّلها جيّدا لتجتنبها وتتفاداها. 1) لا يكرّر المحاولة، في أوّل سقوط له ينهزم ويتوقف ولا يعيد الكرّة، فمن يستسلم ويرفع الرّاية فقد بدأ فعلا رحلة الفشل وما أسوأها! 2) أسير ماضيه فهو مسيطر عليه متحكّم فيه وفي قدراته. الماضي زمن انقضى وأصبح حُكْمـا، فلمّا تصرّ على البقاء فيه؟ ما الفائدة؟ إنّه من المستحيل أن تغيّر في ماضيك. ما مضى فات وما ذهب مات، فلا تفكّر فيما مضى فقد ذهب وانقضى. حتّى المستقبل أتركه حتّى يأتي، ولاتهتمّ بالغد لأنّك إذا أصلحتَ يومك صَلُح غدك.عشْ اللحظة التي أنت فيها الآن،فكّرْ في واجب الوقت الحاضر، ولا تُشغلْ نفسك بغيره ولا تُضفْ همّا آخر إلى همومك، رفقا بنفسك يرحمك الله. 3) تجده كثير اللّوم والشّكوى والانتقاد للآخرين، ويجعل من الأسباب الخارجية مِشْجَبا يعلّق عليه كلّ فشله. البيئة..الزّمان..النّاس..المتآمرون...إلخ) 4) كثير التّبرير لفشله بمنطق وبغير منطق، يختلق الأسباب والأوهام ليبرّر بها ويُقنع.
5) يحمل قناعات وأفكـار سلبيـة: "لا أقدر فعل هذا الشيء.." "ليس عندي مال.." "إنّهـم لا يقبلون..إلخ) 6) دائما يتحدّث إلى نفسه بكلمات وعبارات سالبة:"إنّي مريض..""هذا غير ممكن.." "لا أستطيع.." فأنت عندما تشعر بالعجـز وأنّك غير قـادر على فعل الشّيء، وأنّك لا تتّخذ القـرارات الهامّـة والصّائبـة ولا تفصل في الأمور المستجدّة، وإحساسك بأن لا أحد يُصغي جيّدا لما تقولـه، وأنّ أفكارك لا تلقى القبول والتقدير اللازمين، وأنّك لا تحصل على التقدير المناسب لمقامك. والحلّ:أنْ تؤمن بأفكارك وقدراتك، كنْ واثقا من أنّ هناك شعاع نور وبصيرة بداخلك وبداخل كلّ منّا، يمكن أن نتعرّف من خلاله على الطّريق الصّحيح، والثّقة بالنّفس ما هي إلاّ إيمان داخلي وشعور راسخ بأنّك تمتلك كلّ المقوّمات اللازمة لإنجاز أيّ مهمّة تسعى لآدائهـا، وهي عبارة عن شعـور فريد وقويّ يأتي كنتيجة لإدراكك الكامل بأنّك تستطيع الاعتماد على الله أوّلا وعلى نفسك، إنه إحسـاس فطري وطبيعي في كلّ البشر.وعليه تُعتبر الأفكار السّلبية المثبِّطة أهمّ وأكبر عقبة تعترض طريقنا وتحـول دون انطلاق قدراتنا وطاقاتنا وتقدّمنا إلى الأمـام، فهي تجعلك تعتقد أنّك لا تستطيع أن تفعـل، فهي تشلّ الإرادة، نظرًا للعلاقة الوطيدة بين ما تعتقده وما تفعله. لذا دعِ الأفكار السّلبيـة تماما، إذا أردت التخلّص من تصرّفاتك السيئة إلى غير رجعة. 07 البـاب الثالـث: مهـارات لابـد منهـا.عملاق (ق) قد وقتك مهـارة إدارة الـوقت: قُـدْ وقتك: العملقة تتحقق بوضع خطّـة ومنهج والسّير خطـوة خطـوة نحو تحقيق الأهداف المنشـودة والمقاصد النّبيلة، مع العلم أن العمالقة ينتجـون مجتمعـا عملاقـا والأقزام ينتجون مجتمعا قزما. قضيتان مهمّتان أساسيتان فـي حياة الإنسان، لو انتبه إليهما وأعطاهمـا من العنايـة والتّركيـز والجهد لحقّق نجاحات باهرة في حياته، ألا وهما: *معرفـة الموهبـة الخاصّـة: التي حباك الله بها، فَضْلُ الله عليك، ماتميل إليه وترغب فيه، تخصّصك، رسالتك الخاصّة، الاتّجاه والمجال الذي بإمكانك أن تنتج فيه وتبدع وتتميز، العمل الذي تحبّ وتجد فيه نفسك قدراتك الخاصة، المواهب التي سلّحك بها القدر، وهي من أجل النعم على الإنسان بصفة عامة. *حسـن تنظيـم الوقـت فمن اكتسب مهارة إدارة الوقت فهـو الموفّق. وعليه لا بدّ من الإشارة إلى قيمة الوقت في ثقافتنا العربية الإسلامية. وكما نعلم الحركة مربوطة بالزّمن، فعلينا أن نَقْصد في مشينا، ونحسب للوقت حسابه ولا نترك لحظة تمرّ دون أن نستفيد منها ونستثمرها في الاتجاه الإيجابي. *الوقـت هـو الحيـاة: قالوا الوقت من ذهب، وذلك لأنّه من أنفس الأشياء وأغلاها. وقال آخرون: لا لقد أبخستموه حقّه فهو أكبر من ذلك فالوقت هو الحياة، فهو من أنْدر الأشياء وأثْمنها لأنّ مشكلته إذا غاب لا يعود، ومن هنا كانت له هذه الأهمية. وقد عُني به القرآن الكريم والسنّة النبوية أيُُّما عناية وعلى سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى: "وسخّر لكم الليل والنّهار"(33-ابراهيم) وقولـه:"وهو الذي جعل الليل والنّهار خِلْفَة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شُكورا."(62-الفرقان) وقوله: "والليل إذا يغشى، والنّهار إذا تجلى."(1، 2-الليل) وقولـه:"والفجر، وليال عشر، والشّفع والوتر."(1، 3-الفجر) وقولـه: "والعصر، إنّ الإنسان لفي خسر."(1، 2-العصر) وثبت في الحديث الشريف: " لن تزولَ قدما عبد يوم القيامة حتّى يُسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله ممّا اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا فعل به. "وفي الحديث الصحيح الذي رواه ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"اغتنمْ خمسا قبل خمس، حياتُك قبـل موتك، وصحّتُك قبل مرضك، وفراغُك قبل شغلك، وشبابُك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك." وكتاب الوحي بشقيـه قرآن وسنة مليء بالإشارات التي تنبّه إلى قيمـة الوقت في حياة الإنسـان، وقد كان السّلف الصّالح رضـوان الله عليهم يسمّـون الصلوات الخمس بميزان اليوم وصلاة الجمعة بميزان الأسبوع. ومن خصائــص الوقــــت: أ ) أنّـه أنفـس مـا يملك الإنســان: ولسوف يندم في التّفريط فيه لا محالة، فهو عندما يصحو ويتأمّل دقّات قلبه التي تقول له:عمرك: لحظة سرعان ما تنتهي وتزول، وإذا كان الذي مضى من عمرك كلمح البصر، فإنّ الذي بقي منه كذلك أوأقل. فالإنسان بضعة أيّام إذا انقضى يومه ذهب بعضه، والكياسة أن تعدّ العمر تنازليـا. ويُحسّ بالتّفريط فيه عند الاحتضار وفي الآخرة. وهذا الشّعور لاشكّ يولِّد الحرص على الاستفادة من الوقت. قـال أحد السّلف: "أدركتُ أقوامـا كانوا أشدّ حرصـا على أوقاتهم من حرصكم على دنياكم."
وقال آخر: "إنّ الليل والنّهار يعملان فيك فاعملْ فيهما."وقال آخر:"من كان يومُه مثلَ أمسه فهو مغبون." وقال آخر:"ما ندمتُ على شيء ندمي على يوم غَرُبتْ شمسُه نَقُص فيه أجلي ولم يزِدْ فيه عملي." وقال آخـر: "إذا مرّ بي يومٌ ولم أقتبسْ هدى، ولم أستفدْ علمـا، فما ذاك من عمري." وقـال أحد الحكماء: "من أمْضى يوما من عمره، في غير حقّ قضاه، أو فرْض أدّاه، أو مجْد أثله، أو حمد حصّله، أو خيْر أسّسه، أوعلْم اقتبسه، فقد عقّ يومه وظلم نفسه." ب) أنـه سريـع الانقضــاء: قـال تعالى: "كأنّهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشيّة أوضحاها."(46-النازعات) وقال:"ويوم نحشرهم كأن لم يلبثوا إلاّ ساعة من النّهار..."(45-يونس) وقـال: "قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، فاسأل العادّين قال إن لبثتم إلاّ قليلا لوأنّكم كنتم تعلمـون."112، 114-المؤمنون) وقـال: "يوم تقوم السّاعة يُقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعـة."(55-الروم). ج) أن مـامضـى منـه لا يَعـود ولا يُعـوض: ثبت في الحـديث الشريـف: "ما من يوم ينشق فجره إلاّ وينادي منادي، ياابن آدم أنا خلْق جديـد وعلى عملك شهيد فتزوّد منّي فإنّي لا أعود."والتحـدّي الأكبر كيف أُدير وقتي؟ فالوقت فرصـة وفضاء رحب أعطاه الله لجميع شعوب العالم بالتّساوي، ونحن أهل الشرق (العرب والمسلمون)عندنا قصور في النّظـرة إلى الوقت منذ أن يولد الإنسـان، فمنذ مرحلة المهد يُبرمج الطفل على عدم احترام الوقت، إذْ لا احترام لمواعيد الأكل والشّرب والنّوم، فكلّما بكى وصرخ تأتي الأم وتقدّم لـه ما يريد، فهي لا تتعاطى معه بطريقة منظّمة فيشبّ بل يشيب وهو غير حاسّ بقيمة الوقت في حياته. إذن فالاستخدام الأمثل للوقت يبدأ منذ الطّفولـة، فعندما أصنع الوقت فأنا أصنع نفسي وأصنع المجتمع. فالتربيـة الشّرقية وعلاقتهـا بالوقت منذ البداية فيها خلل. والإنسان لا يكون منظّمـا ومنتظمـا إلاّ إذا كان منطقي النّزعة. الكون كلّه منظّم من حولنا، لذا ينبغي أن تكون حياتُنا هي الأخرى منظّمة، لننسجم مع نواميسه، بدءً بمواعيـد الأكل والنّوم التي ينبغي أن تتمّ في فتـرات منتظمة فيصبح الجسم متعـوّدا على هـذه المواقيت فينتظم فما بالك لو نَظّمت بقيّة حياتك، ممّا يترتّب عليـه أشياء كثيـرة، فتعمل مواعيـدا لأكلك، ولنومك، ولعملك ولباقي شؤونك، تحدّد مهامك وفق خطّة واضحة محدّدة، ثم تجزّئ الرّحلة وتسير خطوة خطوة نحو التغيير المنشود. قـال الشيخ الغزالي: "الإنسان إذا ملك نفسه وملك وقته يقدرعلى فعل الكثير دون انتظار أمداد خارجية تساعده على ما يريد." وقال أيضا: "إنّنـا نتعلّم بعد فوات الأوان أن قيمة الحياة في أن نحياها، نحيا كلّ يوم منها وكلّ ساعة. أتدري كيف يُسرق عمر المرء منه؟ يذهل عن يومه في ارتقاب غده ولا يزال كذلك حتّى ينقضي أجله ويده صفر من أيّ خير. وهكذا يأتي الوقت في مقدّمة الأشياء التي ينبغي تنظيمها، فإذا كنت تعاني من أنّ الوقت غير كافٍ، وأنّ الوقت يتسرّب من بين يديك، فعندئذ أنت بحاجة فعلية إلى تنظيم وقتك."(1) مهــارة التخطيــط يقول أحدنا لماذا لم أتغيّر ولم أتحسّن، ربّما لأنّك لم تبذل جهدا في هذا الاتّجاه، أو بذلتَ جهدا غير منظّم وغير هادف، أو لم ترسمْ أهدافا ولم تخطّط. يقول أحد المتخصّصين في التنمية البشرية: "لوعندنا20000 من أمّتنا يخطّطون لاستطعنا أن ننهض بأمتنا." ويقول: "الذين يخطّطون في الأمّة نسبتهم ضئيلة جدّا ويمثلون:3 % فقط، بقيّة النّاس ليس لديهم خطّة."ويقول: "إذا فشلت في التخطيط فقد خططت للفشل" ويقـول: "إذا ما كانت عندك خطـّة مكتوبـة وواضحـة، فأنت من ضمـن مخططات الآخرين."(2).
(1) ص15 جدد حياتك- محمد الغزالي (2) كيف أخطط لحياتي-صلاح صالح الراشد فلا تنطلق ولا تتحرّك هكذا دون رسم هدف ودونما رؤية محدّدة وغاية واضحة. فإذا لم تحدّد وجهتك فقد تفقد البوصلة، وتتّجه اتّجاها آخر غير مرغوب فيه. فمن يعمـل بدون خطّة وبدون منهج بدون منطلقات وبدون علم، ويرتجل في كل ما يقوم بـه من أعمال، لا يعرف للأشياء وللأفكار وللوقت قيمتـه، وقد ينسف ما أنجزه في أيّ لحظـة والصواب أن يفكّر ويخطّط ويوظّف ذكاءه ولا يحرق المراحل، وينتظر النتائج ويصبر ويحافظ على مكتسباته ويزيـد في إنجازاته، ويستفيد من تجارب الآخرين. لأنّ من نقاط الضعف عندنا أننا لا نخطّط في حياتنـا بصفة عامـة، وإذا خطّطنا لا ننفّذ، وإذا نفّذنا لا نقيم، وإذا قيمنا لانستمـرّ، وتلك مشكلتنا الكبـرى. تأخذنا نفحات سرعان ما تنطفئ وتزول. وعليه لا بدّ من احترام والتزام المعادلة التالية لحلّ هذا الإشكال: (رغبة + إرادة + تفكير+ تخطيط + تنفيذ +مرونة وتعديل+ صبر+ تقييم + استمرارية = نجاحات رهيبة.) فالعاقل يتعلّم من ماضيه ويعيش ويحي حاضره ويخطّط لمستقبله. وشعاره دائما: "إنجازات تحقّقت وأخرى في طريق الإنجاز" ويحضرني ماقاله الشيخ يوسف القرضاوي-أطال الله في عمره ونفعنا بعلمه-متحدّثا بألـم وحسرة عن صورة لعرب مسلمين عزلوا أنفسهم بعدمـا أفقدهـم الكيان الصهيوني مرجعيتهم الحضارية وذكر أسباب ذلك فقال: "نحن نتكلّم فقط وهم يعملون، نحن في فوضى وهم منظّمون، نحن نختلف وهم متفقون، نحن في غيبوبة وهم واعون."(1)
(1) مداخلة للشيخ يوسف القرضاوي.مؤتمر القدس المنعقد بالجزائر 27/03/2006 ولمّا حللتُ كلام الشيخ وتأملتُ واقع الإنسان العربي المسلم المعاصر، وجدته يعيش بالفعـل: 1) الفوضى بدل النّظام. 2) الارتجالية بدل التخطيط. 3) توظيف العاطفة بدل العقلانية. 4) طغيان الذاتية والشخصانية فـي حواراتنا بدل الموضوعية. وقال الشيخ الغزالي–رحمه الله-: "وما أجمل أن يعيد الإنسان تنظيم نفسه بين الحين والحين، وأن يرسل نظرات ناقدة فـي جوانبها ليتعرّف عيوبها وآفاتها، وأن يرسم السياسات القصيرة المدى والطويلة المدى ليتخلّص من هـذه الهنات التي تزري به."(1) وعن حاجة الإنسان إلى النظام في حياته قال أيضا: "والنّفس الإنسانية إذا انقطعت أواصرها، ولم يربطها نظام يُنسِّق شؤونها ويركّز قواهـا، أصبحت مشاعرها وأفكارهـا كهذه الحبّات المنفرطـة السائبة لا خير فيها ولا حركة لهـا. ومن ثمّ نرى ضرورة العمل الدّائـم لتنظيم النفس وإِحكام الرقابة عليهـا وهكذا يستطيع كلّ امرئ أن يُجدد حياتـه وأن يُعيد بناء نفسه على أشعّـة من الأمل والتوفيق واليقظة. والعشوائية نوع من أنواع الإهمال وعدم التنظيـم الذي يُهدر طاقات الإنسان ويؤثّر بشكل سلبي على آدائه ومظهره، عندما تكون منظّما فإنّك تكون قادرا علـى أن تجمع جهودك ونشاطاتك في تناغم بديع، فالتنظيم يساعدك على الإبداع والإتيان بأفكار نيّرة، ومن صميم التنظيم التوازن بين الوقت والجهـد، فعندما يتناغم هذان المعطيان تصبح حياتك سهلة هادئة وتسير أمورك في تناغم وانسجام مثل عقارب الساعـة."(2)
(1) ص16 جدد حياتك-محمد الغزالي. (2) ص17، 18 جدد حياتك-محمد الغزالي وقـال أيضـا: "التربيـة كالزراعة والصناعـة عمل يحتاج إلى جهد طويل وليس كلاما مرسلا أو خطابة حماسيـة. كيف ننشئ ناسا يحبّون الإتقان، ويعشقون الجمال والإجادة ويرفضون الخلل."(1) لكلّ إنسان نقاط قـوّة ونقاط ضعف، إيجابيات وسلبيات، يحاول أن يخفي سلبياته ويسعى جاهـدا لإبراز إيجابياته وإنجازاته، وهذا أمر طبيعي أمّا أن يبقى جامدا لا يبرح مكانه ولا يطوّر آداءه، هنا يكمن الإشكـال، فالفطن يتفقد أحواله ويستثمر كلّ فرصة تتاح له لتغيير نفسه نحو الأفضل ليصبح أكثر تفاعلا وإيجابية مع نفسه ومع الأشياء والآخرين من حوله. مهـارة البحث والاجتهاد في طلب العلم أكثرْ بها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة والقدسية التي تتحدث وتُرغّب فـي طلب العلم وتحصيله، وشدّ الرّحال إلى أهله والجلوس بين أيديهم لأخد العلم عنهم، والتخلّق بأخلاقهم الفاضلة. قـال تعالى:"واسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون."(7-الأنبياء) وقال: "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمـون."(9-الزمر) وقال:"إنّما يخشى اللهَ من عباده العلمـاءُ."(28-فاطر) وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّـم: "من أراد الدّنيا فعليه بالعلـم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معا فعليه بالعلم.." وقال أيضا:"...إنّ الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولادرهما وإنّما ورّثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظّ وافر." قــال الشاعـر الحكيـم: فتعلّموا العلم مفتاح العلا لم يُبْـقَ بابا للسعـادة مُغْلقـا
(1) ص48 مشكلات في طريق الحياة الإسلامية-الكاتب نفسه ومن يطّلع على تاريخ سلفنا الصّالح يجد صفحات ناصعة مشرقة تعكس سعيهم الجادّ في الاستزادة من العلم، لتبليغه إلى النّاس وإخراجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم والإيمان ، ومن ضيق الدّنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأعراف والتقاليد والعادات إلى عدل الإسلام ورحمته. قال ابن حزم كلاما جميلا أجدرُ بأن نقرأه ونتأمّله لاستخلاص العبر والدروس، وشحذ الهمم ليفتح الله علينا بنور العلم والفهم: "لذّة العاقل بتمييزه، ولذّة العالم بعلمه، ولذّة الحكيم بحكمته، ولذّة المجتهد لله عزّ وجلّ باجتهـاده، أعظم من لذّة الآكل بأكله، والشّارب بشربه، والواطئ بوطئه، والكاسب بكسبـه، واللاعب بلعبه، والآمر بأمره، فمن قوي تمييزه، واتّسع علمه، وحسن عمله، فليغتبط بذلك، فإنّه لايتقدّمه في هـذه الوجوه، إلا الملائكة وخيار الناس."(1) وقال أبوعلي القالي حديثا موجزا هادفا مركّزا عن قيمة العلم ومكانته: "إنّي لمّا رأيتُ العلم أنْفس بضاعة، وأيقنتُ أن طلبه أفضل تجارة، فاغتربت للرّواية، والتزمتُ العلماء للدّراسة، ثم عملتُ نفسي في جمعه، وشغلتُ ذهني بحفظه حتى حويتُ خطيـره، وأحرزتُ رفيعـه، ورويتُ جليله، وعرفتُ دقيقه، ثم صُنْتُه بالكتمان عمّن لا يعرف مقداره، ونزّهتُه عن الإذاعة عند من يجهل مكانه، وجعلتُ غرضي أن أُودعه من يستحقّه، وأنشره عند من يشرّفه، وأقصدُ به من يعظّمـه، فمكثتُ دهرا أطلبُ لإذاعته مكانا، وبقيتُ مدّة أبغي له مشـرفا، فخرجتُ جائدا بنفسي، أجوبُ متون القفـار، وأخوضُ لجج البحار، مؤمّلا أن أوصلَ العلَْق النّفيسَ إلى مـن يعرفه، وأنشر المتاعَ الخطيرَ ببلد من يعظمه."(2)
(1) الأخلاق والسير-ابن حزم الظاهري (2) ص 487- كتاب تاريخ الأدب العربي الأعصر العباسية- أبو علي لقالي مهـارة المرونـة والقـدرة على التكيـف الشّخص الأكثـر مرونة يستطيع أن يتحكّم في مجريات الأحداث، وأنت إذا لم تصل إلى هدفـك، غيّرْ الطريقـة أو الأسلـوب ابحثْ أولا عن مكمن الخلل بكلّ موضوعيـة واحذر من توظيف العاطفة، لأنّك كلّما انفعلتَ واندفعتَ كلّما أخطأتَ وانحرفتَ وابتعدتَ عن الجادّة والصواب. ولأنّه لا بدّ من مرونة عالية لتحقيق الهدف، فهناك أكثر من طريق وأكثر من أسلوب وأكثر من وسيلـة للوصول إلى النتيجـة. فهذا رسـول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلمنا، انظرْ كيف تعامل مع الحدث في غزوة الحديبيـة؟ وجهة نظر الصّحابة ألاّ تنازل، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان جدّ مرنا، ارجعْ إلى صيغة العقـد: "هذا ما اتفق عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلـم وقريش. فقالوا لـه:امحُ رسول الله؟ لوعلمنا أنّك رسول الله لاتّبعناك. فقـال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "امْحها ياعلي، واكتب:هذا ما اتفق عليه محمد بن عبد الله وقريش." وفي الأخيـر كانت الغزوة في صالح المسلمين، وسمّاها الله فتحا مبينا. وكذلك الحال في تعامله صلّى الله عليه وسلّم مع المخالفين والمخطئين وحتى مع الخائنين. مثال ذلك رسالة حاطب بن أبي بلتعة التي بعث بها مع امرأة إلى أهله بمكّة، والقصّة معروفـة في السيرة. بل وحتى مع المنافقين كان صلى الله عليه وسلم يصبر عليهم ويلين لهم، أليس هو القائـل لعبد الله بن أبي بن سلول بشأن أبيه المنافق:"بل نترفّق به ونحسن عشرته مادام معنا." فالمواقف في الحياة تحتـاج منّا إلى حسن تصرّف، انظر إلى الماء على ليونتـه لا يتوقّف عند الصخرة، وإلـى النخلة عندما يهبّ عليها الرّيح فتتلوّى وتنحني ولا تنكسر. فلا بدّ أن نكون متفهّمين للقضايا متكيفين مع الأحداث مرنين كي نحقّق أهدافنا.
إذْ ليست القوّة في الحدّة والصّلابة كما يتصوّرها البعض، بل في المرونة والقدرة على إدارة الأزمات بحكمة وحنكة وتحكّم في الأعصاب وإعمال الذّكاء إلى أبعد الحـدود، وتفهّم الآخر المختلف أو المتنازع معه، والاستماع إليه، والتنازل له والاقتراب منه. لأنّ لقوّة قوّة الفكر والوعي والتحكّم في المشاعر والعواطف لا قوّة التعصّب للرّأي ولو كان خاطئا. والمرونة مكسب يدلّ على القوّة لا الضّعف، فهي تدعوك إلى أن تستعمل فكـرك وذكاءك وتنظر إلى الوسائـل والأساليب والطرائق العديدة والبدائل والخيارات وما أكثرها وتختار الأليق والأنسب لتحقّق هدفك وتنجز خطّتك، وتأكّدْ أنّك لن تُحقّق شيئا بالصّدفة، فالحياة تدافع وصراع من أجل البقاء، والبقـاء للأقوى، فلا يكن سمك القرش أذكى منك، أما الديناصور فقـد اندثر وانقرض لعدم قدرته على التكيف مـع الظروف المحيطة به. ولذلك قيل: "لا تكن قاسيا فتكسر، ولا طريّا فتعصر."فالمؤمن كالصّفصافة أو النّخلة حينما تهبّ الرّيح وتريد قلعهـا فإنها تطاوع وتميل وتلين تكيّفا مع الحالة الطارئة حفاظا على سلامتها دون أن تنكسر. قال الشيخ الغزالي:"والمرونة في مقابلة الشّدائد بعض آثار الإيمان والرشد.وحريّ بالرّجل الذي يدع العاصفة تمرّ أن يحسن التغلّب عليها بعد أن تكون حدّتهـا قد انكسرت. وهذه المرونة دلالـة تأدب مع الله وسكينة في ملاقاة قدره، ثمّ هي في معاملة النّاس أنجع الوسائل لكبح جماحهم بل لامتلاك أنفسهم. وفي الأثـر: "جرّبت اللّين والسّيف، فوجدت اللّين أقطع." والمؤمن المرن يدور مع الأحـداث لا دوران ضعف ونفـاق، ولكن كما يـدور المصـارع في الحلبة حتى لا يكشف مقاتلـه لخصـم متربّص.عليك أن تختار واحدة من شيئين، إمّا أن تنحني حتى تمرّ العاصفة بسلام، وإمّا أن تتصدّى لهـا متعرضا بذلك للهلاك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مثل المؤمن كمثل الزّرع لا تزال الرّيح تميلـه، ولا يزال المؤمن يصيبه البـلاء، ومثل الكافر كمثل شجرة الأرز لا تهتـز حتـى تستحصد." وفي رواية: "مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيئها الريح مرة وتعدّلها أخرى حتّى تهيج -أي تقوى وتنضج- ومثل الكافر كمثل الأرزة المجذبـة على أصلهـا-لا تميل مع ريـح لصلابتها- حتى يكون انجعافها مرّة واحدة أي انكسارها."(1)
"يقول(وليام جيمس): كن مستعدّا لتقبّل ما ليس منه بدّ، فإن هذا التقبل خطوة أولى نحو التغلّب على ما يكتنف الأمر من صعاب، هذه المرونة في ملاقاة الواقع البغيض قد تكلّفك الابتسام له، وحمْل النفس على حسن استقباله، لا لأنّك تودّ بقاءه بل تخفيفا من شدّة الضّيق به. فالرّجل إذا وقعتْ به مظلمة يملك ردّها، وأوتي القدرة على كفّها فإن صبره عليها جريمة، ورضاه بها معصية. أمّا إذا حلّتْ به مظلمة يعجز عن دفعها أو كارثة يعلم أن التخلّص منها فوق قواه، فيجب عليه أن يتحمّل وأن يتصبر."(2)
(1) ص84 جدد حياتك- محمد الغزالي (2) ص 85 جدد حياتك- محمد الغزالي مهـارة الصّبـر وقـوّة التحمّـل حمل النّفس على ما تكره. قال الشيخ الغزالي:"وما تفتقت مواهب العظماء إلاّ وسط ركام من المشقات والجهود. والإيمان الحقّ يجعل الرّجل صلب العود، لا يميل مع كلّ ريح ولا ينحني مع كلّ خلة.وإذا أحصينا الرّجال الذين لا يأخذهم الدّهش أمام المفاجآت، عرفنا أنّ لهم من أنفسهم ما يهون عليهم أيّ مفقود وما يسلّيهم عن كلّ فائت، وبهذا الشّعور يمكنهم أن يقتحموا كـلّ حصار تضربه عليهم الليالي الكوالح." (1) وقال الشيخ الغزالي أيضا:" فالمؤمن لا تزيده الابتلاءات إلاّ صلابة وثباتا، فنحن في حاجة إلى الكثير من الصبـر والالتزام بتوجيهات الوحـي. رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلّـم: "إذا جمع الله الخلائق نادى منادٍ: أين أهل الفضل؟ قـال فيقوم النّاس -وهم يسير- فينطلقون سراعا إلى الجنّة, فتتلقّاهم الملائكـة، فيقولون: وما فضلكم؟ فيقولـون: كنّا إذا ظلمنا صبرنا، وإذا أُسيء إلينا حملنا، فيُقال لهم: أدخلوا الجنّة فنعم أجر العاملين."(2)، وقال الشيخ الغزالي أيضا: "وإنّني بعـد ما بلوتُ النـاس أَجِدُني مضطرّا لأن أقـول: مَحّصْ عملك لله، وانشدْ ثوابه وحده، ولا تنتظرْ أن يشكرك أحدٌ مـن النّـاس، بل توقّعْ أن يضيق النّاس بك، وأن يحقـدوا عليك، وأن يبتغوا لك الرّيبة وينسوا الفضل، وأن يكونوا كمـا
(1) ص 156 جدد حياتك- محمد الغزالي (2) ص124 جدد حياتك- محمد الغزالي قـال الشاعـر: إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحا عني وما سمعوا من صالح دفنوا جهلا علينا، وجبنا عن عدوهم لبئس الخلتان: الجهل، والجبن وإنّه ليخيّل إليّ أنّ العداوة أزلية بين الأمجاد والأوغاد. بين أصحاب المواهب والمحرومين منها، بين فاعلي الخير والعاطلين عنـه. ومن ثمّ يجب علينا أن نتوجّه بحركـات قلوبنا وأيدينا لله ربّ العالمين، لا ننتظر ثناء ولا إعجابا، ولا بروزا ولا شكورا."(1). قال الشاعــر: لأستسهلنّ الصّعب أو أدرك المنى فما انقادت الآمال إلا لصابر. مهـارة الأثـر وتـرك البصمـات أن تترك آثارا طيبة من بعدك. وقد ثبت في الحديث الشريف: "إذا مات ابن آدم انقطع عملـه إلاّ من ثلاث، صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له." فقيمة الإنسان فيما يحسنه ويتقنه، في أعماله وإنجازاته. ومن لا إضافة له ولا عطاء فما قيمة وجوده؟ قال الشاعـر الحكيــم: قيمة المرء ما قد يحسنــه فاطلب لنفسك ما تعلو بـه وصـل وكما قالت الأعرابية قديمـا: "البعرة تدلّ على البعيـر، والأثر يدلّ على المسيـر. وأنت ما الدّال عليك؟ هل قمتَ بعمل ما إضافة تخلّد بها ذكرك وتنفع أمّتك والبشرية، وعلى الأقـلّ الناس الذين مـن حولك.لا تكنْ كمن يعيش على هامش الحيـاة، سلبي لا يقـدّم شيئا منفذ فقط، لا يتقـن إلا الاستهلاك ومضغ الكـلام، ليس لـه فضل على أحد. قيمة الإنسان بإنتاجه، بعطائه.أمّا التفـرّج والتغنّي بأمجاد الماضي دون إضافة شيء فضعف وقصـور.
(1) ص 131 جدد حياتك- محمد الغزالي الإنسان النّاجح غيـر عادي فعّال يبادر، يجتهد، يقترح، فثابرْ وتميّزْ واسْعَ لتحقيق إنجازات في حياتك تخلّدْ بهـا ذكرك، فكم مـن إنسـان عاش حياة روتين ومات فنُسِي، لكن هناك أناس ماتـوا منذ آلاف السنين وحينما تركـوا بصمات خالدة فلن تنساهم الأجيال على مرّ التاريخ. ولكي تحقّق إنجازات لابدّ أن تعمل وأن تحلم وأن تنمّي مهاراتـك وتطوّر في قدراتـك، ثم حدّد المجال الذي يمكن أن تنتج فيه، التخصّص الذي تحبّه، فالإنسان لا يبدع إلا إذا عمل فيما يحبّ، أمّا الذي يريد أن يبرز في كلّ شيء لا يستطيـع. حدّدْ ما تريد فعلـه، فالشيء المحدّد الواضح يمكن تحقيقـه أمّا العموم فلا يفيـد. هناك من يعيش عمرا قصيرا ويحقّق أعمالا عظيمـة، وهناك من يقارب القرن ولا يحقّق شيئا، فشتّان بين الثّرى والثريّا! قـال أحدهـم: "أيّ عمر يمرّ من عمري بدون إنجازات لا أعتبره من عمري." بعد تحديد هدفي تصبح قراءاتي وعلاقاتي وملء فراغاتـي فـي إطار توجّهي فأنشغـل بالنافع المفيد. فكرة فعزيمة فانطلاقة جادّة. كيف أدير حياتي؟ كيف أرتّبها؟ بعد التفكير توضع الخطّة ثم يُبدأ في تنفيذهـا. فلا تكنْ مثل الذين يقضون جلّ أوقاتهم في الفراغ في اللاشيء فهم يعيشون حياة فوضى مفرغة من أيّ محتـوى. إنّي أبغض إمرءً يكون مشغولا بشيء لا ينفعه في دينه ولا في دنياه، جُهْد ضائع يقود إلى الفشل في الحياة، أو مثل من يعيش على الأحلام والأوهـام والأمانـي الفارغة ولا ينتج شيئا. لا بدّ أن تنجز قبل أن ينتهي العمر، كلّ شيء يدعـونا إلى أن نستعجل فـي الإنجاز. المثال العربي يقول: "من زرع حصد." وهل هو مثال صحيح؟ فقد يزرع الإنسان ولا يحصد، فليس كلّ من يزرع يحصد بالضرورة. يحصد من زرع ورعى، وحماه وتابعه وصبر وتجهّز بالأدوات والآلات، ولم تأتِ أقدار تخرّب زرعه، هذا هو الذي يحصد. فالتراكمات ليس من السّهولة القضاء عليها. النتائج لا تأتي فجأة بل لابـدّ من التوكّل على الله أولاّ وطلب المعونة منه، ثم تخطيط وبذل جهد وعمل وانتظـار(كمّ هائل من التراكمات) بعـدها يمكن أن نجني الثّمـار.إذن من زرع ورعى وتعهّد وتعب وصبر حصد، وليس من زرع حصد. ينبغي أن تكون عضـوا إيجابيـا في المجتمع، لك رأي وفكر ومساهمة وفضل وشخصية، ثبتَ في الحديث الشريف: "المسلم كالغيث أينما وقع نفـع." فحاربْ السلبية فـي حياتك، ولا تدع الكسل والخمول والفوضى تتسرّب إليك، فإنّها تسرق منك عمرك دون أن تشعر، فالحذر الحذر. مهــارة الاتّصــال والتواصــل هناك ثلاث عناصر رئيسية في عملية الاتصال: 1) مرسل (كلمة) 2) مستقبل (يسمع كلمة) 3) رسالة (محتوى محدّد) أفهمه أياها النظريـة الكلاسيكيـة في التواصل(-مرسل-ومرسل إليه، مستقبل، وموضوع الرسالة.) النظريات الحديثـة:الإنسان نفسه مرسل ومستقبل (feed-bek) لأنّ الرّسالة السلبية تؤثر سلبا على المرسل قبل المستقبل، والرسالة الإيجابية تـؤثر بالإيجاب على المرسل قبل المستقبل أيضا. فانظر حالك مثلا لمّا تغضب ويصدر منك كلام مؤذي، فمن أوّل من يتأذّى به ياترى؟ وحالك عند الابتهال والدعـاء لما تَصْدر منك كلمات طيبـة، فشتّان بين الإرسالين وبالتالي إذا حسّنتَ الآداء كمرسل يتحسّن عند المستقبل. والمتواصل عادة له هدفـان لا ثالث لهما هما: 1) طلب المساعدة. 2) تعبير عن مشاعر ويمكن أن يُجمعا لكن ليس هناك هدف ثالث. وهذا يسهّل علينا فهم الآخريـن جيدا. فـإذا حدث اتصال ما من أي كان فعليّ أن أتأمّل فيه جيدا وأبحث في السبب والدافـع، ولا أنشغل بالموقف والفعل والنتيجة. لأنّ المهم أن أعرف قصده من هذا التواصل. والإنسـان لم يتوقفْ عن الاتصال منذ أن كان جنينا. وقدْ أثبتتْ الدراسات أن الطفل يبدأ يسمع منذ الأسبوع الثاني وهو في رحـم أمه.وإذا كانت 70% من حياتنا كلها اتصال وعلاقات مع الآخر، فإن تحسين الاتصالات الإنسانية مهم جدا في حياتنـا اليومية الفردية والاجتماعية لإيجاد نوع من التوافق والقبول والرضـا، من أجل ألفة عاليـة مع من أعيش، أتحبّب إليه أصل إلى قلبه. كيف أحفز الآخر؟ أستقطب اهتمامـه، أستحوذ على كل الشّرائح، كيف أعرف نظـام كل شخص؟ كيف أرفع مستوى آدائـي؟ كيف أبلّغُ رسالتي بسهولـة؟ وقد قيـل إذا حدّثتَ الناسَ عن نفسك استمعـوا إليك، وإذا حدّثتهم عن أنفسهم أحبّوك. فلنتعلّمْ ولنتدرّبْ على ما يسمّى ببناء الألفـة لتحقيق أرقـى اتصال وأقوى اتصال وأجمل اتصال. ولذلك قالوا: راقبْ كلماتك، راقبْ حركاتك، راقبْ ملابسك فإنها تحمل رسائل. إذن ما هي أفضل طريقة للاتصال بالآخرين؟ أن أعرف أصناف البشر وبالتالي مفتاح كل شخصيـة، وإنه من الخطإ أن استعمل مفتاحا واحدا مع كل الأنواع، فهناك البصري والسمعي والحسّي، ولكل وتَره الخاص، كل ذلك من أجـل الوصـول إلى ألفة عالية بملامسة نقاط الاتّفـاق والفضاءات المشتركة وما أكثرها بين الناس وتبقى الكلمة الطيبة المفتاح السحري الذي بإمكانه فتح كل القلوب. مع العلـم أن الكلام المنطوق أو اللغة الشفهية أو ما يسمى بالاتصال اللفظي لا يمثل إلا 7% فقط، 93% من عملية الاتصال | |
|
بوراس بوعلام مشرف
عدد المساهمات : 203 السٌّمعَة : 40 تاريخ التسجيل : 25/11/2008 العمر : 47
| |